الجميع ملتف حول المائدة، يتناولون طعامهم، ويتبادلون الأحاديث، أصوات ضحكاتهم تعلو أكثر فأكثر في أرجاء المنزل، إلا أنت، لست معهم، نعم حاضرًا بجسدك ولكنك غارقًا في التفكير، فمنذ عودتك من السفر، يبدو لك كل ما هو مضحك سخيفًا، وكل الألوان باهتة في نظرك، وحتى أن كل الأشياء دون طعم وتفتقر إلى طعمها الأصلي، لا تعجب فأنت قد تكون أحد المارين بحالة اكتئاب بعد السفر فهو من الحالات الشائع التي تحدث لكثير من المسافرين بعد رجوعهم إلى موطنهم.
اكتئاب بعد السفر .. تجربة مسافرة مصرية
عندما عادت ڤيرا محمود، المسافرة المصرية، التي سافرت أكثر من 25 دولة، من رحلتها من إيطاليا إلى مصر شعرت بحالة مزاجية غير جيدة.
وبرغم حرصها على ألا تؤثر هذه الحالة على عملها، إلا أنها لم تستطع إنكار مرورها بحالة من الاكتئاب والمشاعر الحزينة.
صحيح أنها جابت الكثير من الدول الأوروبية والأمريكية، وخاضت العديد من تجارب السفر، ولكنها تشعر في كل مرة عند عودتها بنفس الأحاسيس الحزينة.
تأكدت ڤيرا أنها تمر بحالة غريبة، فكل مرة تعود منها من السفر تشعر وكأنها في عالم أخر بمفردها، وبمجموعة من المشاعر السيئة.
نعم تحرص على ألا يتأثر عملها فهو مصدر رزقها والوجهة التي تجمع منها أموال السفر، إلا أن حالتها الاجتماعية تتأثر بشكلٍ ملحوظ.
بعد أن تيقنت بأنها تمر باكتئاب ما بعد العطلة، قررت أن تجرب العديد من الحلول، آخرها العودة بعد قضاء وقت طويل جدًا في السفر، بحيث يصبح وكأنه فعل رويتني.
إلا أن هذا الحل لم يكن كافيًا، فعلى الرغم من عودتها منذ أكثر من أسبوعين من إيطاليا – آخر وجهات سفرها ؤ ما زالت تشعر بالسوء.
إذا كنت قد شعرت من قبل بمثل ما شَعَرت به فيرا، ويظل هناك بداخلك خوف وحزن من لحظة الرجوع من رحلتك إلى موطنك، فإن ما تمرون به هو اكتئاب ما بعد السفر travel depression post.
ماذا يُعني اكتئاب ما بعد السفر
إذا كنت تخشى وصولك إلى يوم نهاية العطلة، تفكر به كثيرًا فينتابك حالة من حالات المزاج السئ، تمر بهذه الحالة الكثير من الأوقات، ولكنك لا تعرف ما أسبابها وكيف تتغلب عليها؟ سنخبرك بكل ما تريد معرفته.
الحالة المزاجية السيئة التي تنتابك وتنتاب بعض المسافرين عند عودتهم من السفر إلى موطنهم هي حالة يُطلق عليها اكتئاب بعد السفر Travel depression post.
وهي حالة شائعة بين عدد من المسافرين، وفيما يلي سنخبركم بأعراضها، وأسبابها، وكيف تتغلب عليها في حالة إصابتك بها.
علامات الإصابة باكتئاب بعد السفر
تختلف ردود أفعال العائدين من السفر، ففي حين يندمح البعض سريعًا في حياته، يظل الآخر يصارع من أجل الاندماج.
وتتمثل الإصابة بحالة Travel depression في وجود بعض الأعراض، ومنها الأعراض التالية:
- النوم لفترات طويلة من اليوم أو الإصابة بالأرق وعدم القدرة على النوم نهائيًا.
- مواجهة مشكلة في مواصلة أداء المهام والمسؤليات اليومية المتعلقة بالدراسة أو العمل.
- قضاء وقت طويل في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي عوضًا عن التحدث مع الأصدقاء وأفراد العائلة.
- الشعور بأن أصدقائك وعائلتك أصبحوا غير قادرين على فهمك.
- تجنب مغادرة المنزل لعدم الرغبة في التفاعل مع الآخرين.
- التفكير طويلًا في كيفية السفر سريعًا بدلًا من الاندماج والتركيز فيما يحدث في الحياة.
- تغيير مفاجئ في الوزن أو في الشهية.
- التركيز على المقارنة بين بلدك والبلد التي كنت مسافرًا إليها.
- الشعور بالحزن والتوتر والغضب لأوقات وفترات طويلة.
- التفكير بأن حياتك في بلدك لن تكون مثيرة أبدًا على النحو التي كانت عليه في بلد السفر.
إذا كنت قد مررت بعد عودتك من الرحلة بواحد أو أكثر من الأعراض والعلامات السابقة، فسنخبرك بأسباب التعرض إلى Travel depression post.
أسباب التعرض لاكتئاب السفر
أسباب التعرض إلى اكتئاب ما بعد السفر أو Travel depression ليست واحدة، فقد تؤدي أسبابًا كثيرة إلى ظهوره.
ومع هذا التنوع والاختلاف، يظل هناك مجموعة من الأسباب هي الأكثر شيوعًا، وتلك الأسباب الشائعة هي:
1. عدم الارتباط بروتينٍ ما
فالسبب الرئيسي لهذه المشكلة هو عدم ارتباط المسافر بأي إجراء أو فعل روتيني أثناء فترات سفره.
على سبيل المثال هو غير مرتبط بمذاكرة ومدرسة وامتحان، وغير مرتبط بترجت ومهام وظيفية ملزم بإنهائها.
وعدم وجود عوامل ضغوطات الحياة ومهام الشخص الروتينية، يجعله يشعر بحرية كبيرة، تتقيد عند رجوعه إلى موطنه.
2. الرغبة السريعة في الرجوع للسفر
وأحد الأسباب الشهيرة التي تؤدي إلى التعرض لهذه الحالة المزاجية السيئة هو الرغبة المستمرة في السفر مرة أخرى.
فإفراط الشخص في التفكير بالعودة للسفر مرة أحرى والرغبة في القيام بعطلة ثانية، يجعله عرضة لهذه الحالة.
3. التفكير بأنه لا راحة سوى في السفر
فالمعظم لديه مفهوم شائع أن الراحة لا يمكن الشعور بها سوى في العطلات والسفر، وأن هذا الوقت هو المتنفس الوحيد للشخص.
فإذا ربط الشخص موطنه بالمشقة والتعب والسفر بالراحة والمتعة، فمن الطبيعي أن يكون عرضة للمرور بهذه الحالة المزاجية السيئة.
الأسباب السابقة هي أسباب تؤدي إلى الإصابة والتعرض لهذه الحالة، ولكن لا يعني ذلك أنها أسباب ثابتة.
فقد تختلف هذه الأسباب وفقًا لحالة الشخص نفسه ووجدانه ومشاعره وارتباطته في موطنه وغايته من الرحلة.
علاج اكتئاب بعد السفر
إذا وجدت أنك تمر بالعلامات السابقة، وتواجه صعوبة في الاندماج بحياتك اليومية، فلا داع للقلق والفزع.
فهناك مجموعة من النصائح والإرشادات، التي ينصح الأطباء بممارستها للتخلص من هذه الحالة سريعًا، ومن أبرز هذه النصائح التالي:
عدم ربط السفر بالمتعة والمنزل بالشقاء
فأولى النصائح التي يجب على المسافر التفكير بها حتى قبل إنطلاقه إلى رحلته هي عدم ربط المنزل بالعناء والمشقة.
فعندما ينطلق المسافر إلى رحلته بهذا التفكير، فمن المؤكد أنه عند العودة إلى المنزل سيُصاب بحالة مزاجية سيئة.
العودة قبل موعد العمل
فالأطباء والخبراء ينصحون المسافرين بالعودة قبل موعد عملهم أو مسؤولياتهم والتزاماتهم بعدة أيام.
وذلك ليجد العائد مدة زمنية كافية للتأقلم مع بيئته الطبيعية وروتين حياته قبل الاصطدام بالمهام الأساسية.
إضافة بعض المرح لليوم
فإذا شعر المرء أنه يجد المتعة والمرح في يومه الطبيعي، سيتمكن من التغلب على هذه الحالة بسرعة أكبر.
لذا من الأفضل أن يضيف الشخص بعض الترفيه إلى يومه الروتيني، كالتسلية والمتعة مع أفراد العائلة أو الأصدقاء.
قص تفاصيل الرحلة وطرائفها
فالتحدث عن الشيء هو أولى الطرق التي يتبعها الأطباء النفسيين والخبراء في علاج مختلف الحالات والأمراض.
لذا ينصح الخبراء المسافرين أن يقوموا بقص طرائف الرحلة واستعادة ذكرياتها مع الأصدقاء والأقارب.
فهذا القص سيجعل الشخص يشعر بالسعادة، وسيخلّصه من حالة الكسل والخمول التي انتابته بعد العودة.
الاسترخاء في الطبيعة للتغلب على اكتئاب بعد السفر
تظل الطبيعة هي الحل السحري والمفتاح الرئيسي للتخلص من مختلف الحالات المزاجية غير الجيدة.
لذا ينصح خبراء علم النفس مختلف المسافرين الذين يمرون بهذه الحالة، بأن يخصصوا وقتًا للجلوس بالمناطق الطبيعية.
فهذا الاسترخاء في الأماكن الطبيعة، سيمنحهم القدرة الكافية على إنجاز مهامهم اليومية دون أي كسل.
ممارسة التمارين الرياضية عند اكتئاب بعد السفر
الرياضة قادرة على إخراج الطاقة السلبية المسيطرة على الشخص، فهي متنفس للذهن والجسد.
فينصح الخبراء أن يقوم الشخص بالتغلب على هذه االمشاعر السئيئة بواسطة ممارسة الرياضة، لإنها تمنحه القوة وتعوده على تحمل الصعاب.
توثيق الرحلة بالكثير من الصور
فمشاهدة هذه الصور ومقاطع الفيديو الملتقطة لوجهة السفر، قادر على منح المسافر شعورًا جيدًا عند عودته.
وينصح الخبراء المسافرين أن يقوموا بمشاهدة هذه الصور والفيديوهات في الفترة الانتقالية بين عودتهم من السفر وقبل عملهم، فهي واحدة من الحلول المريحة التي ستسعدهم.
مارس الإمتنان
قد يكون من الصعب في ظل المشاعر الحزينة والغاضبة التي يمر بها الشخص بأن تشعر بالامتنئان، ولكن عليه القيام بذلك.
فعليه الشعور بالشكر والإمتنان لأنه قد خاض تجربة جديدة، وتعلم ثقافة مختلفة، وتعرف على أشخاصٍ جدد، وكسب مهارات متنوعة.
خطط لرحلة جديدة
ولا يُقصد بذلك أن يغرق الشخص في التفكير بالتوجه إلى رحلة سفر جديدة، ولكن أن يخطط لرحلة سريعة في أجازته الأسبوعية.
كأن يتوجه إلى المدينة المجاورة لمدينته، أو أنيتتوجه لقضاء يوم على الشاطئ، فإن ذلك سيساعده على الراحة الجسدية والنفسية.
إدراك اكتئاب بعد السفر كحالة طبيعية
فإذا تيقن الشخص أن ما يمر به من مشاعر حزينة وغاضبة هو أمر طبيعي بعد رجوعه من السفر، سيتمكن من التغلب عليه.
لذا عليه التفكير بصورة مستمرة بأنه يشعر بهذا الاكتئاب نتيجة افتقاده للراحة والمتعة الموجودان بالسفر، وأنها حالة مؤقتة.
حلول إضافية للتغلب على اكتئاب بعد السفر
إذا جربت بالفعل كافة الحلول السابقة ولكنك لم تشعر بأي تغيير، فننصحك بتجربة الحلول التالية:
1.قسم إجازتك السنوية: لا تأخذها كله في وقتٍ واحد، بل قسمها وقم برحلة صغيرة أو عطلة قصيرة في كل فترة من فترات التقسيم، لتقلل المسافة بين الرحلة والأخرى.
2. ضع عادة من عادات السفر في يومك الطبيعي: يعني إذا اعتدت على تناول وجبة معينة خلال فترات سفرك، قم بإعداد هذه الوجبة بشكلٍ روتيني في منزلك.
3. تعلم شيئًا جديدًا: فممارسة رياضة جديدة أو تعلم شيئًا جديدًا يبقى حلًا سحريًا لمواجهة ضغوطات الحياة والروتين السائد بها.
4. تطوع في نشاطٍ يساعد الآخرين: فرؤية أن جهودك قد ساعدت شخصًا ما على حل مشكلته، هو واحد من الأفعال التي تمنح المرء سعادة عارمة.
لا تنس أن تروح عن نفسك، وأن تعلم أن هذه الحالة حالة وجدانية شائعة، يمكن التعرض لها بسهولة، والتخلص منها أسهل.
وإذا لم تجد تحسن وأحسست أنك في حاجة للتحدث مع طبيب مختص أو خبير، فلا تشعر بالحرج وتحدث معه.