الرحالة و المسافرون العرب

حواديت مسجد الظاهر بيبرس: شجرة تُشفي المرضى

كيف يبدو بعد الترميم وكيف تذهب لزيارته

من مذبح الإنجليز لمخزن للسلاح ومصنع للصابون، هُجر لسنوات طويلة، واستُخدم لمهام عدة، أبعد ما يكون عن الصلاة، فاختلفت مهامه عن الدور المعتاد للمساجد، فكان شاهداً على مراحل وفترات مختلفة طيلة الـ 800 عام الذي صمد فيهم، ليمر عليه احتلال فرنسي وإنجليزي وترددت حوله مئات الأساطير، من ثم عاد للحياة في ثوبه الجديد الآن بعد الترميم ليصبح واحداً من أجمل وأكبر المساجد المُزينة للقاهرة الكُبرى، هو مسجد الظاهر بيبرس، أو مسجد بيبرس البندقداري.

اين يقع مسجد الظاهر بيبرس

يقع مسجد الظاهر بيبرس بميدان الظاهر، السكاكيني، حي الظاهر بالقاهرة الكُبرى،بُني سنة 665 هجرية – 1267 ميلادية، بجواره يقع قصر السكاكيني، أو كما يطلق البعض عليه قصر الظاهر بيبرس، لوقوعه في حي الظاهر، أو شارع الظاهر بيبرس.

تستطيع الوصول إليه بكل سهولة بعد ترميمه من خلال الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة الكبرى. وأقرب محطة لمسجد الظاهر بيبرس هي محطة مترو الجيش.

مسجد الظاهر بيبرس بعد الترميم
مسجد الظاهر بيبرس بعد الترميم

من أساطير الجن والشفاء لمدبح الإنجليز ومصنع للصابون

كل من آتى مصر، استخدمه لمهمة مختلفة تماماً عن التي سبقتها، فكان شاهداً علي واحدة من أهم الفترات التاريخية في مصر بتوقيت حملات الصليبيين والتتار ، فبناه بيبرس تخليدًا لذكراه عندما كان حاكمًا لولاية قليوب، قبل أن يتولي حكم مصر بعد هزيمة التتار، ومقتل الملك قطز.

وصُمم بطراز معماري مميز وصفه المؤرخ المقريزى قائلاً “تحفة معمارية شاهدة على روعة البناء فى العصر المملوكى”.

استمرت الشعائر الدينية قائمة داخله حتى القرن السادس عشر الميلادي، تركه الناس لكن الأساطير لم تتركه. فبدأت الأحاديث حول احتواء المسجد على آبار عميقة تملؤها الآثار ويسكنها الجان. مع اعتقاد باحتوائه على سراديب عميقة أسفل صحن المسجد و الساقية بجوار مكان الوضوء. والبعض أشار لأن هذه السراديب قد تصل إلي مسجد الحسين في القاهرة.

هكذا توالت الأساطير لتكن أشهرهم أعتقاد الأهالي باحتوائه على شجرة جوافة عتيقة، حلوة المذاق، أوراقها تُشفي المرضى من الربو والكحة.

وفي الأساس توقفت الشعائر داخل المسجد بتوقيت لم تكن الدولة قادرة على ترميمه لاتساع مساحته الكبيرة. فيعد واحد من أكبر مساجد القاهرة حتى الآن، من ثم بدأ تحوله من مسجد للصلاة والتقرب إلى الله، لمكان مهجور كلاً يستخدمه لأهوائه ومهامه.

فحوله العثمانيون إلى مخزن للمهمات الحربية كالخيام والسروج. من ثم استخدمته الحملة الفرنسية لمخزن للسلاح، وقلعة عسكرية وثكنات للجنود. حينها عُرف باسم قلعة سيكوفسكى، من ثم تحول لمخبز في عهد محمد على الذي حوله لمعسكر لطائفة ومخبز  للجراية. كذلك استخدمه الاحتلال البريطاني كمخبز لفترة من ثم تم تحويله لمذبح بعام 1915م، حينها حصل على اسم “مدبح الانجليز” لذبح الحيوانات التي تُعد كطعاماً للجنود بما فيها الخنازير، ثم استعمل بعد ذلك كمصنعًا للصابون.

حتى تسلمته لجنة حفظ الآثار العربية عام 1918 لترميم الجزء المحيط بالمحراب ليصبح مصلى و باقى الجامع تحول لمنتزه، حتى 1970 بدأت مصلحة الآثار تهتم بإعادة بناء الجامع وإعادته إلى حالته الأولى. حتى عاد للترميم مرة أخرى في 2018 ليصبح مُمهد للزيارة والصلاة اليوم  في 2023 بكامل قوته.

مسجد الظاهر بيبرس من الداخل
مسجد الظاهر بيبرس من الداخل

قصة بناء مسجد بيبرس البندقداري

 أنشأ الظاهر بيبرس مسجده على جزء من الميدان الشهير في 15 جماد الثاني 665هـ/ 13 مارس 1267م . وحينها طلب أن يكون الباب أشبه بباب مدرسته بين القصرين وتزينه قبة أو مقصورة على المحراب على قدر قبة الأمام الشافعي وفقاً لحديث المؤرخ المقريزي.

ويسمى صاحبه السلطان ركن الدين أبو الفتوح بيبرس بن عبد الله البندقداري الصالحي النجمي، ذو شهرة اسم  “الظاهر بيبرس“، وعن  أين دفن الظاهر بيبرس؟ فهو دُفن في المدرسة الظاهرية أو المكتبة الظاهرية في دمشق، في العاصمة الحالية لسوريا الحديثة، بعدما توفي سنة 676 ھ.

ترميم مسجد الظاهر بيبرس .. عودة للحياة

مسجد بيبرس البندقداري
مسجد بيبرس البندقداري

بدأت وزارة الثقافة ترميم مسجد الظاهر بيبرس بعام 2007، و توقف عام 2011، من ثم عاد للاستكمال بعام 2018، حتى خرج للنور بشهر رمضان 2023، خلال الترميم تم الحفاظ على العناصر الحجرية ذات الزخارف الكتابية والنباتية، وتقويتها وتدعيمها، مع ترميم واستكمال الشبابيك الجصية الموجودة أعلى الحوائط الداخلية والخارجية للمسجد، وترميم ومعالجة الأشرطة الجصية الداخلية التي تحتوي على آيات قرآنية بإيوان القبلة.

إضافة لإنشاء شبكة لتثبيت منسوب المياه الجوفية، وتركيب منظومة إطفاء الحريق.

وعن الشكل الحديث للمسجد فهو يتكون الجامع من ساحة كبيرة مربعة الشكل تتجاوز أسوارها الحجرية 11 متر وتزينها شرفات متراصة بجوار بعضها ذات ارتفاع متر ونصف.

وتحتوي أركان المسجد من الخارج على أربعة أبراج اثنان مربعان على طرفى الضلع الشرقى والآخران مستطيلان، والأبراج مصمتة ماعدا ذلك الذى يشغل الركن الجنوبى الغربى فهو مجوف إذ يشغله درج يؤدى إلى سطح الجامع.

كذلك فُتحت فى البرج الأخير أربع نوافذ صغيرة فى الجهة للغربية واثنتان فى الجهة الجنوبية واثنتان فى الضلع الشرقى وكذلك قوى السور الخارجى بدعائم.

أيضاً يحتوى المسجد على ثلاثة مداخل تذكارية بارزة عن السور الخارجى، المدخل الرئيسى منها يتوسط الضلع الغربى، أما المدخل الشمالى والجنوبى فيتوسطان صحن الجامع فقط.

أجمل مساجد مصر القديمة ..وصف الرحالة لقبة الظاهر

باب مسجد البندقداري
باب مسجد البندقداري

“وأما ما في باب القبلة من الفن المعماري فلا يوجد في مملكة أخرى “، جُملة ذُكرت في كتاب سياحي من العصر العثماني للرحالة، أوليا جلبي في كتاب “سياحة نامة” بعد زيارته لمصر 1672- 1680م، الذي وصف المسجد على طريقته الخاصة قائلاً:

  • “كُسيت الجدران التي حول القبة بالسماقي وألوان من الرخام الخام .
  • وقد زُين القسم الذي فوق الجزء المكسو بالرخام بأنواع من الزهور وشجرة طوبي من الحجارة الدقيقة ذات ألوان بديعة تكل العين من النظر إليها.
  • وبصحنه بضع أشجار النبق وله ثلاث مآذن قصيرة لعلها ناقصة ـ على الأرجح سقطت أجزائها العلوية.
  • له ثلاث أبواب وقبة محرابه مكسوة من فوقه بطبقة من الرصاص، وفي مصر قباب مغطاة بالرصاص وهي منها.
  • ويمر بداخل الجامع طريق عام، والقبة ليست مبنية بعقد “ليست من الحجر أو الطوب” وبجوانبها الأربعة زجاج ملون” ـ يقصد الجوانب الأربعة في منطقة الانتقال مثل قبة الأمام الشافعي.
  • وأما في المنبر ودكة المؤذنين “المبلغ من الفن والزخرفة فليس مثله في مسجد من مساجد مصر ، وأما ما في باب القبلة من الفن المعماري فلا يوجد في مملكة أخرى.

كذلك تناول كتاب ” مساجد مصر وأولياؤها الصالحون”، وصف للمسجد يشير بأن المدخل الرئيسى كان تحفة معمارية فريدة ذات اتساع 12 مترًا تقريبًا ، ويتوسط المدخل باب معقود يبلغ سعة عقده 3.95 مترًا ومزخرف بصنجات مفصصة، وكان يتركز على عمودين من الرخام فقدا الآن، وعلى جانبى هذا الباب من أسفل يوجد حنيتان مستطيلتان يعلوهما صفان من الدلايات وبداخلهما تجويفان يعلوهما عقد مفصص.

تجارب المسافرون العرب من قلب حي الظاهر

واحدة من تجارب المسافرون العرب أو معايشتهم وإطلاعهم على الأماكن والمواقف كانت لأحمد صقر الذي يسكن المنطقة منذ الصغر وهو الأخر كان شاهداً على مراحل تحول المسجد لفترات طويلة، بل وكان من المصليين داخله منذ الصغر.