الرحالة و المسافرون العرب

سوق ديانا أقدم متحف مفتوح للانتيكات بمصر: السبت موعده

انتيكات وسط البلد

“هفضل أحبك من غير ما أقولك ايه الي حير أفكاري، لحد قلبك ما يوم يدلك على هوايا المداري”، ما تبثه في روحك أنغام هذه الكلمات، مع كوباً من الشاي بالنعناع، وهواء يتراقص مع بعض الشجيرات في ليل الربيع، هو ذاته الشعور الذي ينتابك عند دخولك سوق ديانا في وسط البلد بالقاهرة.

الشجن ذاته في جملة “ولما يرحمني قلبك  ويبان لعيني هواك وتنادي ع الي انشغل بك وروحي تسمع نداك،

ابقى احكيلك ع الي في قلبي”. هي تحديداً روح المكان، الذي يتغنى بأغنيات أم كلثوم صباحاً ومساءً، ومع  صوت “الست” يندمج، بطابع فريد يشبه روح “جدي”، وكثيراً من أجداد من يقرأون الأن، فهو طابع قلب المدينة العامرة.

هذا الطابع يظهر على وجوه بائعين، رسمت الشمس على جلودهم خطوط العمر، أرواحهم تشبه روح المكان، وجوه صادقت الشوارع لتبدو أقرب لأشكال مبانيها الفريدة، يشبهون المكان في أصالته وصبره على الزمن. فلا تعلم هل انتقلت لهم روح المكان، أم نقلوها هم له. فأصبحوا لا يفارقون بعضهم، البعض، مزيج بين وجوههم والشوارع، مع الانتيكات الفريدة، وصوت أم كلثوم وشاي مقاهي وسط البلد.أصول في كل مشهد من منازل لتحف لقلوب طيبة.

سوق ديانا اقدم متحف مفتوح للانتيكات في مصر

سوق ديانا للانتيكات بوسط البلد
سوق ديانا للانتيكات بوسط البلد

سوق ديانا في وسط البلد هو سوق للانتيكات تجد داخله كل ما هو قديم وفريد، فخمن أبعد الأشياء التي تخطر على بالك، تجدها جالسة على فروشات بينها على أرض السوق، وأخرى على أحد السيارات، أو الطاولات المتراصة بجانب بعضها أمامها المتجولين وخلفها البائعين يجلسون بجانب بعضهم تملؤهم الحكاوي والغناوي.

“تراث في كل جانب” فتجد داخل سوق ديانا في وسط البلد عملات للهاوين جمع القديم والمميز منها، وساعات تعود لأزمنة بعيدة، لوحات، تليفونات سوداء ذات القرص الدائري، حتى زجاجات الكحوليات العتيقة، أو الميكرسكوبات العلمية القديمة، تلفزيونات، الكتب، الطوابع، الوثائق التاريخية، تماثيل، فازات، مشغولات نحاسية، اكسسوارات، سجاد إيراني وعجمي، أطقم شاي سينيه، وأكثر ما لفت انتباهي كان أفيش للأفلام بالتسعينات، جوابات العشاق، صور تذكارية مضاها نجوم السينما قديماً لأحدهم، وحتى طاسة الخضة وجدتها بعدما سمعنا عنها كثيراً.

اقدم متحف مفتوح للانتيكات في مصر
اقدم متحف مفتوح للانتيكات في مصر

ويحصل التجار على هذه الأشياء من عدة أماكن مختلفة منها الأسواق القديمة، وصالات المزادات، ومخازن الروبابيكيا، و أبرزهم البيوت القديمة التي يبيع أصحابها مقتنياتها، فيتحدث أحد البائعين للرحالة “بأن الكثير من هذه البيوت القديمة لا يعرفون قيمة ما يبيعونه، وجميع الأشياء تُباع”. كما اتخذ الشارع نوع جديد من الزوار غير البائع والشاري وهو المتجول متفرجا على كل هذا الجمال، بل ولفت انتباهي تواجد قوي للسائحين من دول مختلفة.

كيفية الذهاب لسوق ديانا والمواعيد

انتيكات وسط البلد
انتيكات وسط البلد

سُمي بسوق ديانا نسبة لسينما ديانا بشارع عماد الدين بمنطقة وسط البلد، يُقام يوم السبت فقط من كل أسبوع، وتستطيع الذهاب لسوق ديانا في وسط البلد عن طريق المترو، إما محطة مترو جمال عبد الناصر، أو العتبة، أو عرابي، فجميعهم حول السوق ويؤدون لنفس النتيجة، بمجرد  الوصول تسأل مباشرة عن سينما ديانا، ويرشدك الجميل لها، وبدخولك شارع السينما تجد الباعة أمامك في الشوارع المحيطة.

لكل قطعة حكاية في أقدم أسواق الانتيكات في مصر

انتيكات وسط البلد
انتيكات وسط البلد

مهنة تحمل كل يوم مفاجأة جديد بأثر جديد قد يعود عمره لأكثر من 100 عام على الأقل، فأبرز الحكايات عن القطع كانت من نصيب راديو روسي من الاتحاد سوفيتي، كان موضوعاً في الباخرة الروسية لقياس رادار العدو على حد قول، “الحاج عادل”، أحد بائعين السوق، الذي حمل لنا الكثير والكثير من حكايات القطع بينهم صورة للملكة نازلي، وتذكارات مضاها مشاهير، مع راديو ضخم بحجم سيارة يحمل تاج بريطاني من الحرب العالمية، وساعة حائط كبيرة تُشحن بالأيد، ، فضلاً عن “مكواة الترزي”التي تعمل بالفحم، ونُسخ قديمة من جرائد تعود للسبعينات والثمانينات. كاميرات قديمة، و “بواجير”، مكواة الشعر القديمة التي تُسخن على النار، جهاز لتشغيل الإسطوانات، و منقد نحاسي عمره يتعدى ال80 عام.

الراديو الروسي
الراديو الروسي

“عمره كام سنة” هي الجمل الأكثر تداولاً بين البائعين، فيتحدثون عن قطعة فريده عمرها 80 عام، وهذه عمرها 60، فيتعاملون مع كل قطعة كصديق يعرف عمره وقصته وتاريخه، ولن يُفرط فيه إلا لمن يستحق.

فحدثني أحدهم عن رفضه لبيع الراديو الملكي لمن لا يٌقدر قيمته التراثية، فهم فئة تملك من الثقافة وتقدير الأشياء أكثر مما يظن كثيرون.

صور انتيكات وسط البلد في سوق ديانا

المقتنيات القديمة في سوق ديانا
المقتنيات القديمة في سوق ديانا
فروشات البائعين في وسط البلد
فروشات البائعين في وسط البلد
الجرائد القديمة في سوق ديانا
الجرائد القديمة في سوق ديانا

ملاحظات ونصائح الرحالة حول زيارة متحف انتيكات بوسط البلد

الأسعار جيدة متناسبة تتراوح من 20 جنيه لقفيش الفيلم و100 لسعر الراديو، وكذلك أغلى ثمن سمعته كان 200 جنيه مصري.

لكن الملاحظة الهامة كانت رفض البائعين التصوير بالفيديو او تصوير وجوهم، فهو مجتمع يرفض الحداثة، ليس سخطاً عليها بل للرضا بلحظة الشجن التي تنتابهم مع نسمة هواء قاهرية.

في البداية لم اتفهم الأمر، لكن بالحديث مع أكثر من شخص وجدت أن الأمر متعلق بجانبان، الأول مدى حرصهم على الخصوصية ورفضهم للمتاجرة الحديثة بهوايتهم الفريدة التي تحتاج من يقدرها حقيقة بعيداً عن هوس السوشيال ميديا.

الثانية هي الخوف من شائعات الأسعار الباهظة ، إذا تصدرت عن المكان فيفقدون زبائنهم، بل وحدثني بعضهم عن خوفهم من انتشار السوق وتداوله بين الجميع قد يساهم في استغلال المنتجات التي تباع بأسعار بسيطة، والمتاجرة بها بأسعار ضخمة في أماكن أخرى.

احترمت الفكرة التي تتضح في ترابط الشارع عن وضع حدود للانتشار وكأنهم مُصريين على بقاء المكان لناسه المُقدّرين للتحف الحقيقية بعيداً عن المتاجرة والانتشار المزيف.

بعضهم يقبل التصوير خلسة دون معرفة الأخرين، وبعضهم يمنع بلطف.

اترك تعليقا