رحلة الفيوم : جولة عانقت فيها الغروب وتعرفت على جمال روحي

رحلة الفيوم، الجولة التي تُعانق فيها الغروب، أشعة شمسية دافئة تملئ أنحاء صحراء ممتدة على مرمى البصر من جميع النواحي، تنسى أمامها العالم وتنظر فقط لإبداع الخالق في هذه اللوحة الفنية المرسومة بإتقان، سحر خاص يحمله غروب هذه المنطقة. اندماج لوني مُذهل بين لون رمال الصحراء الصفراء منعكس عليها سلاسل الغروب الذهبية، التي تتحول بهدوء لظلام دافئ دون أن تشعر أين ذهبت بخفة، وكيف أخذت معها كل ما حمله عقلك من ضغط بالفترات السابقة.

قد يكون لهذا المشهد فضل كبير في أن أقف أمام ذاتي مثلما وقفت أمامه كثيراً منبهرة، فلمست جمال روحاني فريد تلامس مع شعور داخلي في قلبي أفتقدته منذ زمن، إنه سحر صفاء الطبيعة ياعزيزي..

رحلة الفيوم .. جولة تعانق الغروب

مدينة تتحدث بالطبيعة ، وتُنشد الطيور على أطرافها تغريدات هادئة تشبه صفاء المكان. في رحلتي لمحافظة الفيوم اكتشفت جمال لم أعرفه من قبل، نوع خاص تملكه الأماكن السياحية في الفيوم. و رغم تعددها إلا أن جميعهم يلمسون داخلك الشعور ذاته، الذي يتسلل لروحك برفق.

لكن أجعلني ألفت انتباهك أن الرحلة تأخذ مسارين يختلف داخلهم الشعور تماماً

فإن كنت في رحلة الفيوم برفقة أصدقاء تتحول الجولة لساحة من المرح والركض هُنا وهناك. لاكتشاف الأماكن وركوب الجمال مع اللعب بمياه الشلال، بعد التقاط عدة صور تذكارية بذلت جهداً كبيراً فيها لتبدو سينمائية على تطبيق انستجرام.

بينما إن كنت مثلي ذاهب فقط للاستجمام بمفردك، للتمتع بمشاهدة الأماكن والشعور بجمالها الفريد الذي يشبهك، فتتحول الرحلة لحالة خاصة داخلك تبدأ مع مشاهدة لون الصحاري على الطريق قرابة الساعة ونصف دون انقطاع إلا ببعض القرى السياحية في مدخل الفيوم، وتزداد تدريجياً كلما اقتربت أكثر حتى مشاهدة الطيور المغردة على البحيرة في حالة هدوء لا يكسر صمتها وصمتك أي شخص.

ولا داعي لذكر شعور الرحلة برفقة الأطفال! .. لكن أجعلني أحذرك أنها لن تكون الألطف إذا كانوا في عمر صغير لطبيعة الصحراء والمشي فترات طويلة.

رحلات الفيوم .. تتمنى ألا تنتهي أبداً

وما بين ضحكات وصراخ المتزحلقين على الرمال، والمنشغلين بالتصوير للتفنن في لقطات أقل ما يُقال عنها أنها مُبدعة وكأنما أبداع الخالق في تفاصيل المكان يحل بكل من يمر من هُنا.

جلست على صخرة وناداني سحرها الآخاذ لساعاتِ طويلة تمنيت ألا تنتهي ابداً، صمت وهدوء وصمت، سكوت هادئ هانئ، لا تشوبه شائبه، وقد تكون الأولى لك التي يسكت عقلك فيها من صخب التفكير ليجلس بجوارك ناظراً للشمس التي تخفت أضواءها كلما اختبئت أكثر وراء تل الرمال من أمامك.

رحلات وادى الريان بالفيوم .. تفاصيل من البداية للنهاية

يعتبر وادي الريان هو المكان الأشهر في مدينة الفيوم، وبالفعل هو أكثر الأماكن التي تملك سحراً خاص، تبدأ الرحلة بالوصول عبر بوابات دخول أمنية بالصحراء، ثم الوصول لعدة كافيهات تستقبلك في البداية ومن خلفها يظهر كل الجمال، البعض يفضل الاستراحة قليلاً من الطريق في هذه القعدات، وأخرين ينشغلون بالتصوير، من ثم المغامرون يبدأون في اكتشاف المكان من لحظة لمس أقدامهم رمالها المُرتبة.

مسافة طويلة تقطعها حتى تصل للبحيرة من الجانب الأيمن تشاهد خلالها أثار أقدام كل من مروا من هنا، من شباب مُستكشفين، ورحلات مدرسية، لآثار جمال، وكلاب، ولا تخلو من أقدام أطفال بلا حذاء خُلع للتو للركض تحمساً لنزول مياه الشلال.

من ثم تبدأ جولة الذهاب لشلالات الفيوم في وادي الريان، التي تراها من ارتفاع جيد بالجهة المقابلة له، فتشاهد رحلة جريان المياه من جداول صخرية تشكلت بلونها الُبني ، والمياه الشفافة تسير أعلاه هادئة حتى منحدر السقوط فتصدر صوتاً عالياً لارتطامها بالأسفل من ثم تسير في مجرى للبحيرة، وخلالها ينطلق رزاز من مياه مُبعثر في أرجاء المكان ولا بأس من بعض القطرات التي تقتحم وجهك عابثة معه لتهدئ إحمراره من حرارة الشمس.

ويبدأ الأطفال في نزول المياه، وبعض البنات تمشي بحذر أعلى الشلال لاكتشاف هذه الطبيعة التي لم تمر عليهم من قبل في المدن التي لا تنعم بجمال يشبه قلب الفيوم ووادي الريان.

فلوكة بحيرة قارون.. رحلة ضحكات القوارب الشقية

من ثم ننطلق لرحلة القوارب بالأسفل على الجانب الأيسر من البحيرة ذاتها، وهذا الاتجاه يختلف تماماً عن الجهة المقابلة التي ذهبنا لها معاً منذ قليل، لذا شبهتها بالقوارب الشقية، فهي تتراقص هُنا وهناك، و تتمايل على جانبيها كلما مرت من حولها الرياح.

في هذا الجانب من البحيرة لا مكان للهدوء. بل يمتلئ بالحيوية والضحكات ويستقل الأصحاب القوارب التي تنطلق في آن واحد بصحبة بعضها البعض.

في البداية تبدو أقل أماناً من شبيهتها الأكبر، لكن حرفة سائقيها تبدأ بنصائح التوازن على القارب، من ثم تبدأ الرحلة وسط غناء جماعي من جميع القوارب، لأغنيات  متنوعة من الفلكور المصري ، يعلوها صوت “المراكبية” ويرددها من بعدهم الأصحاب. وسط أجواء من البهجة تُشعرك أن الكون أوسع من أحزانك وحياتك بأكملها وأن للحُلم باقية وأننا مازلنا أحياء مُبتهجين بمجاورة أصفياء الروح.

ولا تخلو الرحلة من خفة ظل “المراكبية المُبتسمين” دائماً، الذين يداعبون الوافدين من حين لأخر بتحريك المركب على جانبيها بطريقتهم “الشقية” فيصرخ الجميع صرخات مُفاجئة تنتهي بمجرد ثبات المركب وتتحول لضحكات عالية.

أشخاص مُبتهجين ينقلون الفرحة لكل من يزورهم، لدرجة أنني تساءلت فكيف لشخص أن يظل مبتسماً طوال اليوم وأثناء عمله، غرابة قد نصنفها أعجوبة!!

لكن كيف لهم ألا يبتسمون وعملهم داخل كل هذا الجمال الرباني الممتع.

تنتهي رحلة القوارب وتنتهي معها رحلات وادي الريان، من ثم نبدأ بالإنتقال لمكان آخر للتزحلق على الرمال، وهُنا وجدت عشق جديد للترحال، لأن في الغالب تدور الرحلات حول البحار والأماكن الخضراء لكن الإنغماس وسط الصحراء، فكرة لن يقدرها الكثير.

رحلة الفيوم ..شوي المارشميلو وحفلات الكلر

والآن حان وقت المرح قد يخطط البعض للذهاب ليلاً لبعض القرى السياحية للاستمتاع بالأجواء الليلية والجلوس حول النيران المُشتلعة للتدفئة وشرب الشاي البدوي، مع شوي المارشميلو، وغيرهم يفضلون الاستمتاع بحفلات غنائية، أو حفلات الالوان فيلقيها أحدهم على الأخرين و سط كر وفر بين الأصدقاء حتى تختفي ألوان ملابسهم الأصلية، ويسعد الجميع.

جولة بحر الرمال، بطبيعة لامعة، مُعبرة عن جمال الخالق وتحدثك في رسالة روحية، أن لازال داخلك الأجمل فتقول لك: كما احتفظت أنا بجمالي عبر العمر تحتفظ أنت أيضاً بروح دافئة تشبه هذا الغروب على رمالي الكرستالية.

جولة عانقت فيها الغروب وأنصحكم جميعاً بها.

من جولة الرحالة ..صور رحلة الفيوم من بداية الطريق للوصول