الرحالة و المسافرون العرب

دير سانت كاترين الأقدم في العالم.. مسجد وكنيسة وشجرة مقدسة

دير سانت كاترين | «العُزلة»، كلمة مخيفة تقشعر لها الأبدان عند سماعها؛ حيث لا يرغبها البعض ولا يتمنى أن يصبح في يوم من الأيام وحيدا أو منعزلا، ولكن ماذا لو كانت تلك العُزلة هي سر تفرد أحد الأشياء، ووضعه على قمة أهم المزارات السياحية الموجودة في جميع أنحاء العالم؟

دير سانت كاترين ، ذلك الأثر التاريخي الضخم، الذي يقف منفردا ومنعزلا أسفل جبل كاترين في جنوب سيناء بجمهورية مصر العربية، والواقع بالقرب من جبل موسى، ويعتبر من أهم معالم مصر السياحية، بل وعلى مستوى العالم كله؛ حيث يقال عنه إنه أقدم دير في العالم.

واستطاعت «عُزلة» ذلك الدير الأثري البديع في صحراء جنوب سيناء المصرية، أن تكسبه رونقا خاصا به؛ جعلت العديد من السائحين حول العالم يهرولون إليه؛ أملا في كشف خبايا شموخه حتى الآن.

 

أبواب دير سانت كاترين تفتح لك ذراعيها

 

تفتح أبواب دير سانت كاترين ، للزائرين، بداية من الساعة التاسعة صباحًا وحتى فترة الظهيرة فقط، وعند الزيارة يجب أن ترتدي ملابس ملائمة؛ حيث يمنع دخول من يرتدي البنطال أو التنورة القصيرة أو الملابس الضيقة للغاية أو حتى الملابس الكاشفة عن الجسد؛ احترامًا لقدسية المكان.

ويمكن الوصول بسهولة إلى دير سانت كاترين عن طريق الحافلات السياحية التي تتواجد في مدينة شرم الشيخ أو مدينة دهب السياحية، أو استخدام سيارة أجرة مخصصة تقلك مباشرة دون انتظار الحافلة، كما ستجد حافلة نقل عام واحدة فقط يمكن استقلالها من مدينة شرم الشيخ وحتى دير سانت كاترين.

بناء دير سانت كاترين

دير سانت كاترين
بناء دير سانت كاترين

وهناك، تخيل نفسك داخل آلة الزمن، وقد عادت بك للخلف حتى تصل إلى القرن الرابع الميلادي -حيث يعود تاريخ تشييد الدير- وتقف أمام الإمبراطورة هيلانة (والدة الإمبراطور قسطنطين)، التي أمرت ببناءه، ولكن الإمبراطور جستنيان هو من قام فعليًا بالبناء بين أعوام 545 ميلادية؛ ليحوي رفات القديسة كاترين التي كانت تعيش في الإسكندرية، وكانت تنتمي إلى عائلة وثنية، ثم اعتنقت المسيحية، وتسببت في اعتناق عدد من الوثنيين للمسيحية؛ فأمر الإمبراطور بقطع رأسها، وكان هذا الأمر في عام 70 ميلادية.

وعند الاقتراب من الدير، والتوغل بداخله، ستجده يضم عددًا من الأماكن الرائعة بداخله، حيث يحتوي على كنيسة التجلي، وشجرة العليقة الملتهبة، ومتحف، ومسجد، ومكتبة، وحدائق، وبالطبع جبل سانت كاترين.

كنيسة التجلي

اتجه إلى كنيسة التجلي الرائعة، واجعلها أولى محطات زيارتك داخل الدير، فهي النقطة المحورية والمركز في دير سانت كاترين؛ حيث بُنيت بأمر من جستيان -الإمبراطور البيزنطي في هذا الوقت- وصُممت فوق ثلاثة أعمدة جرانيتية، تفصل بينها ممرات صغيرة من الداخل.

ستشعر داخل الكنيسة بالانبهار والفخر كونك ستكون أحد الأشخاص المميزين الذين سيشاهدون أفضل وأجمل لوحة مصنوعة من الفسيفساء، وتسمى لوحة التجلي والتي تعود إلى عام 542 ميلادية، وتعبر عن تجلي السيد المسيح، حيث يقف في منتصف اللوحة يُحيط به الرسل والأنبياء والقديسين، في مشهد أكثر من بارع.

وتضم كنيسة التجلي تابوتا منقوشا ومزخرفا برسوم رائعة، قيل إنه يضم رفات القديسة كاترين، كما تتزين جدرانها بلوحات للقديسين، التي يمكنك مشاهدتها في المكان من الأعلى إلى السفل، بطريقة منسقة ومميزة.

شجرة العليقة الملتهبة

دير سانت كاترين
شجرة العليقة الملتهبة

وبعد الانتهاء من جولتك داخل الكنيسة، اذهب صوب شجرة العليقة الملتهبة -ثاني محطات جولتك بالدير- حيث ستكون إحدى اللحظات النادرة التي ستصبح من المحظوظين فيها؛ نظرا لأن نباتها ينمو فقط في دير سانت كاترين ولا يوجد غيرها على مستوى العالم كله، كما أنها تتميز بمكانتها لدى كل من اليهود والمسيحيين.

تتميز شجرة العليقة الملتهبة بأنها خضراء دائما، وسميت بهذا الاسم نظرًا لكونها تنمو في المكان الذي رأى فيه سيدنا موسى عليه السلام النار الموقدة، وذُكرت قصتها في القرآن الكريم، وتعد من المعالم السياحية التي يأتي إليها الزائرون، ولهذا تم بناء سور حولها لحمايتها.

متحف دير سانت كاترين

وفي ثالث محطات الزيارة، توجه إلى «متحف دير سانت كاترين»، الذي يقع ناحية الغرب من كنيسة التجلي، حيث تربطهما مجموعة من السلالم الثابتة، والتي يمكنك استخدامها للمرور من الكنيسة إلى المتحف.

ويشتهر المتحف باسم الخزانة المقدسة؛ نظرًا لأنه يضم عددًا من المحتويات المتنوعة من مخطوطات قديمة، سواء الفنية أو الدينية أو بعض الرموز القديمة المقدسة، فاحرص على ألا يفوتك مشاهدة التحف والكنوز التي تعود إلى عصور قديمة للغاية داخل غرف المتحف.

هناك في الغرفة الأولى للمتحف، لوحة قديمة تعود إلى القرن الـ12 الميلادي، أما في الغرفة الواقعة بالطابق السفلي، ستجد مخطوطات من أقدم كتاب مقدس على مستوى العالم عثر عليها هناك وتم حفظها في نفس المكان.

مسجد دير سانت كاترين

وفي محطتك الرابعة، اسرع إلى مسجد دير سانت كاترين، الذي يقع في الجهة المقابلة لكنيسة التجلي، ويعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر -حيث حكمت الأسرة الفاطمية مصر في هذا الوقت- وهو موقع يجعل من زيارتك للدير أمرا منظما للغاية. قف أمامه ستجده مبنى بسيط تجاوره مئذنة منفصلة عنه، ويتميز بنقوشه وزخارفه الإسلامية المميزة، والتي يمكنك ملاحظتها بكل بساطة ودون بذل أي مجهود.

مكتبة الدير

وفي المحطة الخامسة، إذا كنت من محبي مشاهدة كل ما هو نادر؛ لا تنس المرور على «مكتبة دير سانت كاترين»، حيث تحوي كما هائلا من المخطوطات التراثية القديمة، والبالغ عددها نحو ألفي مخطوطة، تم جمعها من أماكن متفرقة حول العالم.

داخل المكتبة، يمكنك أن تجد مخطوطات فارسية وسيريالية وأمهرية، وبعض من المخطوطات العربية القديمة للغاية، وكذلك الروسية والتركية أيضًا.

دير سانت كاترين
دير سانت كاترين

حدائق سانت كاترين

وفي المحطة السادسة والأخيرة، حاول الاسترخاء لبعض من الوقت، واستمتع بزيارة «حدائق دير سانت كاترين»، التي تقع خارج السور المحيط بالدير من الناحية الشمالية، وهناك ستجد بعض أنواع الأشجار والزهور النادرة، كما يتم استغلال التربة فيها لزراعة ونمو الفواكه والخضروات.

تحدي جديد في جبل سانت كاترين

أخذت قسطا من الراحة وتنشقت الهواء النقي في لحظات استرخائك واستعدت نشاطك؟ قم وابدأ جولة أخرى جديدة ولكن تلك المرة ستكون لزيارة «جبل سانت كاترين»، الذي يعد من أعلى جبال منطقة سيناء في مصر؛ حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 2640 مترًا.

ضع نفسك في تحدٍ لأنك ستكون أمام خطوة صعبة للغاية لن تستطيع القيام بها إلا إذا كنت تمتلك اللياقة البدنية المطلوبة، وهي «صعود الجبل».

وإذا قبلت التحدي واتخذت قرار الصعود للجبل؛ رافق أحد الأدلة بالمكان، واصعد مع حشد سياحي وليس وحدك؛ حيث يبدأ الصعود بداية من الفجر، ولا تنسى ارتداء حذاء مناسب للأماكن الوعرة مثل الجبال؛ حتى لا تتأذى أثناء الصعود والهبوط. وأخيرًا، احمل معك مصباحًا خفيفًا؛ لأن رحلة الهبوط مرة أخرى تكون في الظلام.

وإذا نجحت، ستكتشف أن الأمر كان يستحق التعب؛ حيث ستستمتع بمشاهدة أرض سيناء والدير من الأعلى، إلى جانب بعض الأماكن الواقعة بالقرب من الجبل أيضًا، مثل منطقة محمية رأس محمد، وجبل أم شومر وجبال العربي.

اترك تعليقا