الرحالة و المسافرون العرب

أسامة عبد الحميد يكتب عن رحلته للبرتغال: 6 أيام في بلاد البرتقال

رحلة- أسامة عبد الحميد:

 

بعد ثلاث ساعات من مغادرة القاهرة، هبطت بنا طائرة مصر للطيران في مطار روما بايطاليا، فنزلنا أنا وزميلي لصالة المطار وختمنا جوازاتنا، ثم توجهنا لمكتب الخطوط الجوية البرتغالية “تاب” كي نؤكد حجزنا على متن طائرتهم المتجه للشبونة بعد ساعات قليلة، ثم خرجنا لخارج المطار كي نشاهد روما، هذه المدينة الأوروبية الساحرة بطبيعتها الجغرافية وثقافتها، والتي قدمت عشرات مصممي الأزياء المعروفين عالمياً، وهي مضرب مثل من حيث أناقة شعبها الاستثنائية في اللباس والإطلالة بشكل عام.

لم نبتعد كثيراً كي نتابع رحلتنا، حيث سنشارك في مؤتمر عالمي بالبرتغال وسنمثل فيه مصر، فغادرنا روما دون أن نختم جوازاتنا مغادرين، وبعد ساعتان وصلنا للعاصمة البرتغالية لشبونة، وخرجنا من مطارها دون أن نختم جوازتنا، فوجدناها نظيفة تلمع تحت مطر غزير، إن المطر حلية أوربية تعلقها المدن والجسور والغابات على أجيادها ومعاصمها، تاركة قطراته البراقة تتدلى من آذانها أقراطاً من بلور، وقد أفرحني المطر على الرغم من أنني لا أميل له.
في بلد صغير المساحة عريق التاريخ، يقع على سواحل المحيط الأطلسي، وعلى مدار 6 أيام بين مدينتي ألمادا ولشبونة الواقعة على مكان التقاء نهر تاجة بالمحيط عقد المؤتمر، وجميل أن تعقد المؤتمرات تحت شعارات وعناوين براقة، لكن الأجمل والأجدى والأهم، أن يبادر المشاركون إلى التطرق إلى قضية وطنية وإنسانية معاصرة هي قضية فلسطين وشعبها الذي يناضل بشتى الوسائل لأجل حريته واستقلاله، فهل كثير علينا أن نواكب نضاله بأعمال تسلط الضوء على كفاحه وبطولاته ومعاناته في ظل احتلال بغيض.

كم هي جميلة بلاد البرتقال، كما سمّها العرب حيث أطلقوا على المناطق الغربية لهم ببلاد البرتقال حيث كانت هذه المناطق تنتج البرتقال والموالح، عرف عنها لاحقا و لمدة تزيد عن 300 عام “ببلاد البرتقال” و من هنا جائت تسميتها بالبرتغال وهي مسماه بهذا الاسم “بلاد البرتقال” على الخرائط الجغرافية القديمة التي استخدمها الملاحين العرب المقيمين و العاملين بتلك المنطقة “جنوب و شرق إسبانيا” و ببلاد المغرب العربي وقت الحكم العربي الإسلامي، ومن البرتغال أيضاً كريستوف كولومبس الذي أبحر من لشبونة ومعه مجموعة سفن متجهاً للهند عن طريق المحيط الاطلسي، بعكس طريق السفن كي يثبت كروية الأرض، فاكتشف القارة الامريكية.

تقع مدينة ليشبونة عاصمة البرتغال وأكبر مدنها في وسط البلاد على ساحل المحيط الأطلسي، وقد شيدت على سبعة تلال، وتمتاز المدينة بالتنوع العرقي والحضاري والثقافي، وتزخر بالأثار التاريخية والمناظر الجذابة، وتعتبر واحدة من أعرق المدن في أوروبا لما تحمله من معالم تاريخية ومناطق أثرية وقلاع وحصون، وكتدرائيات ضخمة، ومقاهي ومحلات تجارية.
على مسافة لا تزيد عن 300 متر عن فندقنا، توجد حديقة مونسانتو الطبيعية الخلابة، التي تطل على قناطر تاريخية تعود للقرن الثامن عشر بالقرب من مسجد الجامع الذي تم تصميمه من قبل المهندسين المعماريين “أنطونبو ماريا براغا وجواو باولو كونسيساو”

برج بيليم

ويسمى أيضاً برج سانت فنسنت وهو تحفة معمارية، يقع في قلب منطقة بيليم التاريخية، وهو موجود في لائحة التراث العالمي في اليونسكو تقع بالقرب من دير جيرونيموس، بني هذا البرج في القرن 15 من قبل الملك جواو الثاني كموقع دفاعي في حوض نهر تاجة، وإلى جانب البرج يقع نُصب الاكتشافات، هذا النُصب الذي انطلق منه “فاسكو دي جاما” في رحلته إلى الهند، وأيضاً في المنطقة نفسها يوجد المتحف الوطني الذي يضم أفضل العربات ووسائل النقل التي استعملت قديماً، حيث جمع فيه أعرق العربات التاريخية في العالم.
قصر بينا

يعتبر من أهم المعالم التاريخية بالبرتغال، بفضل تصاميمه الخارجية الأسطورية ويبعد حوالي 30 كلم، عن لشبونة وقد بني فوق تلة في منطقة سينترا عام 1493 من قبل الملك جواو الرابع، وقد وضع هذا القصر ضمن لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو، أما حديقة القصر فتعتبر منطقة حرجية واسعة محيطة بالقصر.
قوس النصر

 

هو واحد من أشهر الأقواس في العالم، عبارة عن مبنى تاريخي يرمز إلى النصر في المعارك والحروب، وتعود أصول فكرة القوس إلى العصور الرومانية، وقد شُيد هذا القوس عام 1873 منحوتاً عليه تسعة تمائيل تدل على التاريخ الاجتماعي والسياسي للبرتغال، ويقع هذا القوس في حي بايكسا، وهي منطقة مركزية تضم العديد من المتاجر والمقاهي، ويصل الزوار إلى إلى منصة القوس عن طريق مصعد، حيث يمكنهم الاستمتاع بإطلالة رائعة على ميدان “براكا دو كونيرشيو” بالاضافة إلى مشاهدة البلدة القديمة، وقلعة “كاستيلو دي ساو خورخي” وهي قلعة من القرون الوسطى، تقع على قمة تلة في وسط المدينة التاريخي، وتطل على المدينة بأكملها، وكذلك نهر التاجة.
ولمحبو التسوق يمكنهم زيارة أكبر مركز تسوق في لشبونة El Corte Ingles حيث يمكنهم التسوق براحة والحصول على أرقى الماركات وأحدث الصيحات العالمية في بناء واحد من 16 طابقاً، وسيجدون فيه كل ما يرغبون في الحصول عليه.
ولمحبو الرياضة يمكنهم زيارة ملعب فريق “بنفيكا” وهو بمثابة تحفة فنية رائعة لا يخلو من العراقة، ويسمى أيضاً بملعب النور، تم تأسيسه عام 1904 ويعد واحداً من أقوى الأندية البرتغالية، وما يميز هذا الفريق هو النسر الذي يقوم بجولة قبل بدء المباريات لتحية الجماهير.
تمتاز البرتغال بشبكة مواصلات واسعة، تشمل المترو والباصات والتكاسي، ولافتات الطرق في الشوارع قليلة جداً وخصوصاً في الدوارانات ومخارج المدينة.
المطبخ البرتغالي له مزج فريد بين النكهات الناتجة عن تجارة التوابل التاريخية نظراً إلى موقعه الجغرافي على المحيط الأطلسي، والمستعمرات البرتغالية القديمة، وذلك أدى إلى ابتكار نكهات رائعة، فهناك مطاعم تلبي مختلف الأذواق وتتنوع بين المطاعم البرتغالية التقليدية، وصولاً إلى المأكولات العالمية.

لاتملك لشبونة ضجيج القاهرة ولا زحام الاسكندرية، ولا متاجر دبي ولا إغراءات بيروت ولا جمال اسطنبول، ومقاهيها مثل فتاة جميلة رقيقة لا تكشف عن مفاتنها إلا بمقدار، لمن يتذوق الزهور والموسيقى والحلوى ومقاهي الشاي الأنيقة، مقاهي تنطوي على نفسها، تحتفظ ببهائها داخل جدرانها وتنثره على الأرصفة، أما الأواني والفناجين والصواني والأقداح التي تأتيك بها النادلات اللطيفات، فإنها تحفة تاريخية من أيام المجد والأباطرة ونبيلات القرون الماضية.

وبعد انتهاء أعمال المؤتمر غادرنا لشبونة على متن الطائرة البرتغالية متجهين لميلانو بايطالية، دون أن يطلب أحد جواز سفرنا، ووصلنا لميلانو دون أن يطلب أحد جوازنا أيضاً، وخرجنا من مطارها وفعلنا ما فعلناه حين وصلنا لروما، ثم رجعنا للمطار وغادرنا ايطالية على متن طائرة مصرية، لكن بعد أن ختموا لنا جوازاتنا هذه المرة.
لكن السؤال الذي كان يملأ علي طريقي وأنا عائد، ماراً في سماء اسبانيا وهضاب فرنسا وسهول ايطالية وجبال القلب، مستريحاً بميلانو مجتازاُ جزيرة صقليا، عابراً البحر، قبل أن تستقبلني قاهرة المعز بنسائم نيلها، كان السؤال الذي يشغلني، لماذا نحن العرب نعيش في فرقة وانقسام، لماذا نسافر من بلد عربي لبلد عربي، من جزء عربي لجزء عربي على نفس الأرض العربية، نبرز جواز سفرنا في كل بلد، على حين قطعت آلاف الأميال واجتزت أبعد المسافات، وانتقلت من الجو إلى البر، ومن الساحل إلى الداخل، دون أن يسألني أحد أين جوازك.
أوروبا قارة من اللغات والحروف، والأصوات والكلمات، ومع ذلك فإن الذي يجمعها هو لغة أخرى لغة الحدود الواحدة والبطاقة الواحدة والعملة الواحدة، فكيف لا يكون هذا في بلادنا، لغة واحدة هي هي في كل بلد، كيف استطاع التشتت اللغوي في القارة الأوربية أن يختفي عن طريق الدولة الواحدة، ولم يستطع التوحد اللغوي أن يساعد في الأرض العربية على إنشاء الدولة الواحدة؟
لماذا يتكلم الأوروبيين في الواقع العملي لغة واحدة برغم اختلافها، لا يفهم منها العالم إلا معاني العزم والتصميم والارادة، ونتكلم نحن في الواقع الشعري والأدبي لغة واحدة ننساها في الواقع العملي ليتكلم كل منا على هواه، ولتنقطع الصلة بين اللغة والفكر بين الواقع والواجب، ولايسمع بعضنا بعضاً، فإذا سمعنا فإننا لا نعي، وإذا وعينا فإن وعينا يقودنا إلى الجدل، فاختلاف لغاتهم اختفت وراء لغة الواقع والإرادة والحزم لتكون الصوت المسموع، فاللغة عندهم هي الفكر، ونفتقد نحن هذا التلاؤم أشد فقد وأقساه بين لغتنا وتفكيرنا، لماذا تلتقي هناك جبال الألب وشواطىء كان وألمادا، بينما لا يلتقي هنا ما بين الجزء من الساحل والجزء الذي يليه، لماذا تحمل الرياح هناك المطر، ويسقي المطر الشجر، فيحمل الشجر الثمر ليأكل منه الجميع، بينما تحمل الرياح عندنا العداوة والبغضاء.
لماذا نحمل 23 جواز، لكل جواز لون وشكل وتسمية وختم، ويحمل غيرنا جوازاً واحداً ذا لون وشكل وختم واحد، لماذا يرتفع في سمائنا 23 علماً، ولكل علم حكاية ثم ننسى الحكاية الكبرى، رسالة العلم والأمل الواحد واللغة والأرض الواحدة، في حين يرتفع في سماء غيرنا علم واحد يطوي الأعلام الصغيرة، ليؤلف على نحو ما من أنواع التأليف، طوعي أو كرهي، حكايت العلم الواحد، وكم نتمنا أن نقطع طريق الجدل ونأخذ طريق العمل، عمل ننفذه وأمل نحققه.

اترك تعليقا