الرحالة و المسافرون العرب

فتحي أبو زيد يكتب رحلته إلى سوريا: في بلاد الحب والحرب

رحلة- فتحي أبو زيد:

السادة الركاب نحن الان بأجواء الجمهورية العربية السورية، رجاء ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط التدريجي باتجاه مطار دمشق الدولي.

هي رحلة من رحلات العمر.. “سوريا الحب والحرب”.

بكل اشتياق وبمشاعر متناقضة هبطنا على أرض الشام. للوهلة الأولى تعطيك انطباع بأنك داخل وطنك، فهي سوريا، التي تستقبلك بلافتة: “سورية وطن لكل عربي”، وهي تختلف كثيرًا عن أي بلد من الممكن أن تزوره، دمشق توأم القاهرة، وكل شئ متشابه حتى صفات أهلها.

انتهيت من إجراءات الدخول واستلمت جواز سفري مختوم بخاتم الجمهورية العربية السورية، بإقامة مجانية لمدة ٣ شهور، فقط لأني عربي.

تحركت باتجاه وسط العاصمة دمشق. ٣٥ كيلو متر تقريبًا وسط الياسمين، تمنحك السعادة التي تفتقرها في زحام القاهرة. كل شئ هادئ على عكس ما نسمع، فقط يعترضنا ٣ حواجز أمنية للجيش العربي السوري.

ساحة الأمويين والسيف الدمشقي، ها قد وصلنا قلب دمشق. تمنح قلبك لحظة للتأمل في صمت، المدينة وهدوئها، الحذر، وعلى الرغم من انقطاع الكهرباء في هذا التوقيت إلا أنني أتذكر ملامحها جيدًا، أتذكر تلك الحارات الضيقة بجوار سوق الحميدية، وكيف استعطنا الوصول للمنزل في حارات يفقد فيها القرد ابنه .

مرت الليلة الأولى بدمشق في سلام واستطعت الخلود للنوم بعد ٢٤ ساعة متواصلة.

في صباح اليوم الثاني توجهنا لحرم دمشق، الجامع الأموي، دخلنا سوق الحميدية الذي يشبه كثيرا خان الخليلي لكنه اكبر بأضعاف. محلات يتخطى عمرها مئات السنين أحدثهم أقدم من دولة الكيان الصهيوني و كل ممالك الخليج العربي.

هنا تعايش نفسك أزمان مختلفة بمكان واحد. أخيرًا انتهي سوق الحميدية ووصلنا لبوابة الجامع الأموي الرئيسية، بهو الجامع فقط يمنح قلبك جرعة من الاستقرار النفسي. كم جميلة هي دمشق، تعطى حتى الحضارة الإسلامية طابعًا خاصًا بملامحها، فالطراز المعماري للجامع الاموى فريد من نوعة لا يوجد في مكان آخر سوى بالمسجد الأموى بحلب، تجد هنا الزخارف المذهبة والأعمدة الرومانية و المنارات الخضراء، مزيج حضاري ثري يعبر عن دمشق بامتياز.

قرأنا الفاتحة أمام ضريح سيدنا الحسين، وأذن المؤذن لصلاة الظهر، الأذان في دمشق فن آخر، سيفونية يعزفها المؤذن ومساعديه أمام محراب الجامع الأموي، آذان لن تسمع مثله في البلاد، صلينا الظهر خلف الإمام، الذي اختتم صلاته بالدعاء لسوريا وجيشها وسط ارتفاع صوت “آمين”.

تملك الجوع منا، حيث أننا لم نفطر بالصباح كعادة المستضيف، الآن وجدنا مطعم بالقيمرية وهو ككل ما هو دمشقي له طراز خاص، فالمطعم الأشبه بالبيت العربي القديم، مساحتة قرابة الـ ٢٠٠ متر مربع، غير مغطى، ولا تفارقه رائحة الياسمين.

حان وقت المعركة، لا أعرف أي شي في قائمة الفطور: فتة بالسمنة وسودة ومسبحة وغيرها من طلاسم الطعام السوري، في النهاية تركت الاختيار لأهل مكة.

“فتة بالسمنة”، أثقل منها لم أتذوق في حياتي، تحتاج معدة فولاذية للتعامل معها، طلبنا من المطعم شئ آخر، وعندما علم أني مصري رشح لنا الفول، ووافقنا بالطبع.

الفول السوري غريب من نوعه، تشعر للوهلة الأولى أنه مزروع في المريخ، خمس حبات ضخمة من الفول بطبق صغير، رائحتهم نفاذة كانت كفيلة بأن أتوقف عن طعام الفول، للحظتنا هذه.. احترس من الفول السوري.

معدتي تكاد تصرخ في وجهة العاملين بالمطعم: عاوز افطر يا جدعان!.. الآن وجدنا الحل “صاجيات”، قطع من الخبز داخلها جبنة سورية وأخرى داخلها محمرة، سدت جوعنا حتى موعد الغذاء.

خرجنا من المطعم في جولة حول قلعة دمشق، باتجاه مقهى النوفرة، هذا المقهى عمرة تجاوز ٥٠٠ عام، وهو يعتبر أهم مقهى بدمشق حاليًا رغم ضيق مساحته، لكنه يعتبر قبله للسياح وأهل دمشق القديمة.

بعد ساعتين من المشي في تلك الشوارع القديمة حان وقت الغذاء.. إلى مطاعم الربوة.

الربوة هي جنة اخرى من جنان الشام، جبال يشوبها الخضرة، تتسرب من بينها مياة نهر بردة. صعدنا لمطعم بسفح الجبل، بعد شرب مشروب التوت السوري الفاخر، فتح شهيتنا على الطعام.

وجبات الغداء في سوريا تختلف إطلاقًا عن وجبات الفطور، داخل أروقة منيو الغداء تجد كل ما يحلو لك، و لكن كمصري “فاللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش”،  توكلنا على الله وطلبنا طبق مشاوي.

الآن نستمتع بنغمات الشيش طاووق وبأسياخ الكفتة وبقطع اللحم المشوي. تصححت نظرتي للمطبخ السوري مجددا بعد حادثة الفطور، وبعد كل هذا الطعام بالإضافة إلى المكان الرائع أتت الفاتورة بمبلغ بسيط بما يعادل ١٢٠ جنيه مصري للفردين.. دفعت الحساب وتمنيت لو أني أحمل مطاعم دمشق بأسعارها معي إلى مصر.

إلى هنا تنتهي الحلقة الاولى تابعونا في باقي الحلقات

اترك تعليقا