الرحالة و المسافرون العرب

مصر ام الدنيا ؟.. شاب مغربي سافرها بحثًا عن الإجابة وهذا ما قال

رحلة- فؤاد زويريق : عندما كنت أسمع مصريا يقول بثقة وحزم: مصر ام الدنيا ، كنت أشعر بامتعاض شديد لم أكن أقتنع بهذه العبارة مطلقا، كنت أعتبرها مجرد ثقة زائدة في النفس بل كنت اعتبرها نرجسية وشوفينية وتعصب مرضي، كيف يجرؤ شعب بأكمله وعلى مدى أجيال أن يعتبر بلده هذه أم الدنيا ؟!.

هل أطلقها أحدهم هكذا اعتباطا فصدقوها واصبحت متداولة وشائعة؟  لا بد أن في الأمر سرا! سر لا بد أن تكتشفه بنفسك، وأن تقف عليه وأنت هناك في مصر . كنت تواقًا إلى معرفة واكتشاف هذه الخلطة العجيبة التي أعطت للمصريين كل هذه الثقة في النفس، وجعلت كل من زار بلدهم يحمل شعار مصر ام الدنيا نفسه بل ويدافع عنه.

كنت سأزورها قبل زيارتي هذه بسنوات لكن للأسف كل الفرص التي أتيحت لي فشلت، أولها سنة 2011 حيث كنت سأحضر معرض كتاب القاهرة لكن وقع ما وقع وألغيت الرحلة. بعدها ببضع سنين قليلة تلقيت دعوة من مهرجان سينمائي فاعتذرت عن الحضور بسبب ظروف عملي، لأحجز بعدها بسنة في رحلة سياحية لتضطرني نفس الظروف لإلغاء الحجز مجددا، لم أستسلم ولم أتخل عن فكرة الزيارة بل تشبثت بها أكثر فجاءت المناسبة من حيث لم احتسب لتكون زيارتي الى مصر للنقاهة والسياحة حيث كان الاختيار بينها وبين بلدي الأم المغرب، فاخترتها دون تردد.

مصر ام الدنيا

كنت متخوف مما سمعته، ومما قرأته، ومما أشاهده في بعض القنوات التلفزيونية، حتى عندما أردت الحجز في الطيران المصري نصحني البعض بالعدول عن قراري بسبب سمعة هذه الشركة واختيار شركة أجنبية، ترددت لكن في الاخير اخترت الشركة المصرية وكانت الرحلة بصدق ممتعة ومريحة، بل كان طاقم الطائرة في كلتا الرحلتين (الذهاب من امستردام والعودة من القاهرة) خدوما ومتجاوبا والخدمات كانت جد ممتازة.

الاماكن السياحية في القاهرة
الاماكن السياحية في القاهرة

الانتماء الى مصر

من هنا بدأت رحلة الانتماء، من الطائرة نفسها، وانا مسافر وسط المصريين لم أشعر لبرهة اني غريب عنهم، بل كلما عرفوا أني مغربي ازداد ترحيبهم بي وتضاعف، سواء من طرف المسافرين أو من طرف المضيفات.

ما إن تطأ قدمك أرضية مطار القاهرة حتى تذوب وتتلاشى كل تلك الحواجز التي شيدت في لاوعيك سواء بسبب الاعلام الايديولوجي الموجه، أو بسبب كثرة الاشاعات المتناسلة هنا وهناك والتي للأسف الشديد ساعد ويساعد على ترويجها بعض المثقفين المصريين أنفسهم.

حواجز في الحقيقة لم تكن متينة وقوية وإلا لما تهاوت بهذه السرعة وفي أول لقاء، وهذا بفضل الحب والاحترام لهذا البلد واللذان زُرعا بداخلك منذ الصغر. كان الترحيب بابتسامة وبعبارة (مرحبا بك في بلدك الثاني) من طرف كل الضباط الذين التقيت بهم في المطار يشعرك بارتياح تام وكانك فعلا في بلدك.

وبمجرد الخروج من باب المطار واستنشاق هواء مصر تتجدد دماءك لتصبح بقدرة قادر مصرية مائة بالمائة، اللهجة المصرية تنطلق لوحدها دون مجهود يذكر، وكل تلك الثقافة المصرية المتراكمة والكامنة بداخلك تخرج بسلاسة وكأنها كانت بزنزانة مغلقة مظلمة تنتظر فقط من يُطلق سراحها، من هنا، من باب المطار تلبسك تدريجيا عبارة: مصر ام الدنيا وقبل نهاية رحلتك تجد نفسك أكثر ايمانا بها من المصريين أنفسهم.

لماذا مصر ام الدنيا

ليست هناك أية  خلطة سحرية أو سر كما اعتقدت يجعل مصر ام الدنيا ، بل ولا يميز مصر كبلد اي شيء اخر عن باقي البلدان، اختلافها يبقى في كونها أم كباقي الامهات،  قدرتها على احتوائك، على معانقتك، على احتضانك، على عدم تركك تشعر بالغربة بين أحضانها، على حنانها الذي يظهر جليا على ملامح أناسها، على طيبوبتها التي تجدها في معاملات أبنائها لك، على دفئها المتدفق في كل ركن من أركانها.

هذا ما يجعل مصر أماًّ، وبلدا متميزا عن غيره. مصر ليست مجرد معمار، وأزقة، وميادين، وثقافات، وفنون، مصر ليست خان الخليلي فقط ولا مقهى منزوية في زقاق مزدحم، مصر ليست نهر النيل ولا الاهرامات ولا حضارات ولا تاريخ ممتد لآلاف الاعوام وكفى، مصر ليست مجرد جدران باردة وأسوار وقلاع. مصر أكبر من هذا كله، مصر بلد ليست ككل البلدان، بلد بروح ومشاعر وأحاسيس، مصر بلد خُلقت واختيرت دون باقي أخواتها حتى تحمل مشعل الأمومة، كي تكون أما، تلك الام التي لا تفرق بين أهلها وضيوفها.

اسوان
اسوان والنيل والحضارة الفرعونية العريقة

في مصر.. رأيت أمي

أثناء عودتي من القاهرة كانت تجلس بجانبي في الطائرة امرأة مصرية عجوز وبجانبها سيدة في مقتبل العمر، مصرية أيضا، الاولى كانت في زيارة لابنها المقيم بهولندا والثانية قادمة للالتحاق بزوجها، السيدة العجوز بشكلها ولباسها وملامحها وكلامها البسيط الحلو الجميل ذكرتني بأمهاتنا المغربيات، كنت أشعر وانا بجانبها ان شيئا ما يشدني اليها شدا، غفوت قليلا، سقطت البطانية التي كنت التحف بها بسبب البرد، فشعرت بها تتناولها بلطف وتضعها من جديد على جسدي، أثناء الاكل كانت تحثني على عدم التوقف والتهام كل ما يوجد أمامي بدعوى حاجتي الى الطاقة.

حتى أثناء حوارنا أو محادثتنا كانت تقدم لي بعض النصائح والحِكم وكأن أمي تتحدث، أثناء وصولنا مطار أمستردام وفي أحد ممراته شعرت ببعض الالم في ركبتي، توقفت كي ارتاح، استندت على احدى الأعمدة، فجأة أحسست بيد تربت على كتفي، التفتت لأجد السيدة نفسها تسألني بحنان لن أنساه أبدا (مالك يا ابني؟ فيه حاجة؟ تعبان ولا ايه؟). هذه المرأة هي مصر، هذه المرأة هي تلك الأمومة التي يتغنى بها كل مصري ويشعر بها كل ضيف، هذه المرأة هي ملامح مصر الحقيقية الصادقة، هذه المرأة هي التي تختزل كل ما يمكن أن يقال عن مصر ام الدنيا

اترك تعليقا