الرحالة و المسافرون العرب

مسجد المرسي ابو العباس : قبلة عشاق الفنون والحب الصوفي

بطرازه المعماري الفريد، ومنارته الشاهقة، وقبابه الأربعة، وزخارفه التي تعد دليل على روعة الطراز الإسلامي القديم، يأخذ مسجد المرسي ابو العباس مكانه بمنطقة الأنفوشي بالإسكندرية، واكسبته تلك العوامل السابقة، بالإضافة لأهميته التاريخية، رونقًا خاصًا، جعلت منه مزارًا سياحيًا تتوافد عليه البعثات الأجنبية من شتى أنحاء العالم، للتمتع بما تتضمنه عمارته من فن معماري إسلامي فريد، إذ لا يمكن اعتباره مجرد مزار ديني يتوافد عليه المصلين فقط.

تاريخ منطقة المرسي ابو العباس

يرجع تسميتها للإمام العارف بالله شهاب الدين أبو العباس، الذي يتصل نسبه بالصحابي «سعد بن عبادة الأنصاري» سيد الخزرج في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعاش حياته متصوفًا زاهدًا، حفظ القرأن في سنة، وتعلم أصول الفقة في الأندلس، وذات يوم، أخذه والده وأخاه معه للحج، وخلال رحلتهما لزيارة بيت الله الحرام، هبت عاصفة أغرقت المركب بمن فيها، ولكنه نجى، وأقام بعدها في تونس، وهناك سمع بالشيخ أبو الحسن الشاذلي، وظل ملازمًا له، وجاء معه إلى مصر، وتزوج ابنته وأنجب منها.

وتوفي ابو العباس المرسي سنة 686 هـ ودفن بالإسكندرية، وتحديدًا في مقبرة باب البحر، وكان هذا الموضع وقت وفاته، جبانةً يُدفن فيها الأولياء، وفي عام عام 706 هـ، زاره زين الدين القَطَّان، كبير تجار الإسكندرية في ذلك الوقت، وأمر ببناء ضريحًا و قبة له ، حتى يتَميَّز عن بقية القبور من حوله، ليصبح هذا البناء بعد ذلك مزارًا، ثم تحول بعد ذلك لمسجدًا صغيرًا إلى أن تم إعادة بناءه وترميمه وتوسيعه خلال عام 1189هـ.

وفى عام 1943م أُعيد بناء جامع ابو العباس المرسي، بعدما أمر الملك فؤاد الأول بإنشاء ميدان فسيح، في تلك المنطقة، يطلق عليه ميدان المساجد، ويضم عدة مساجد، من ضمنها مسجدًا فسيحًا لأبو العباس المرسي.

تصميم مسجد المرسي ابو العباس

يرجع الفضل في بناء تلك التحفة المعمارية بطرازها الفريد للمهندس الإيطالي ماريو روسي، وهو معماري شهير عرُف عنه ولعه الدائم ببناء المساجد، وقد وضع تصميم المسجد بحيث يكون مثمن الشكل، وتبلغ مساحته 3 آلاف متر مربع، ويبلغ ارتفاع منارته عن سطح الأرض 73 مترًا.

ويتميز الطراز الأندلسي الذي بُني عليه جامع المرسي أبو العباس بتعدد القباب، وزينت قبته الرئيسية بزخارف منحوتة فى الحجر الخارجى، إلى جانب نقوشها الداخلية متناهية النظير، يبلغ أرتفاعها 26 مترًا، يتدلى منها ثرايا تتكون من بضعة أطنان من البرونز والنحاس بالأضافة إلى البلورات البراقه.

كما تعد المئذنة الشاهقة، التي يبلغ ارتفاعها نحو 73 متر تقريبًا، من أهم المعالم التي تميز التصميم الفريد للمسجد، ليس لإرتفاعها الشاهق فقط، بل لما تحويه من زخراف التي نقشت بالأحجار الدقيقة، ويتوسطها ساعة، بالإضافة لأعمال الأرابيسك والفسيفساء التي تظهر فى النوافذ والأبواب، والمحراب المزخرف.

مسجد المرسي ابو العباس من الداخل

ما أن تطأ قدمك أرض المسجد، حتى تسحرك تلك اللوحة الفنية الفريدة، الموجودة على حوائطه، وسقفه، فترى النقوش العربية وتعشيقات الأرابيسك، إلى جانب المشربيات، وفتحات التهوية التى تحف المسجد من كل الإتجاهات.

وبالرغم من أن جامع المرسي أبو العباس ذو شكل مثمن من الخارج، إلا أنه ذو شكل منتظم من الداخل، يحوي 16 عمودًا من الرخام والجرانيت، ويصل طول العمود الواحد إلى 22 مترًا، وتتميز لون جدرانه بطلاء قشدى، ويكسو الرخام الأبيض أرضياته، بينما تغمره النقوش والزخرفة والأحجار الإصطناعية من الخارج.

أما عن منبر المسجد، فهو ذو قبة مرصعة بآيات من القران الكريم، رسمت حروفها بالذهب الفرنسى، وقد تم استخدام خشب التيك والجوز المعشق والساج والليمون، لبناء هذا المنبر.

وفي الجانب الغربى للمسجد، خصصت مساحة بمدخل خاص لتكون مصلى للنساء، تطل منها السيدات على صحن المسجد، وذلك من خلال النوافذ والمشربيات، مما يمكنهم من سماع القرآن والخطب وإتباع الأمام فى الصلاة.

كما يحوي مسجد المرسي ابو العباس بين ثنياه مكتبة تزخر بحوالي 3 آلاف مخطوطة متنوعة بين علوم الدين واللغة والأدب.

مظاهر الإحتفال بمولد المرسي أبو العباس

يستقبل المسجد فى الأسبوع الأخير من شهر يوليو في كل عام مريدى المرسى أبو العباس، حيث تقيم الطرق الصوفية به احتفالات كبرى تجوب الشوارع المحيطة، وتمتلئ ساحة المسجد بألاف الزائرين من داخل الإسكندرية وخارجها، وتستمر مظاهر الإحتفال لمدة أسبوع بالكامل، تنظم خلاله حلقات ذكر داخل المسجد، وفقرات إبتهالات دينية يقدمها كبار المنشدين المعروفين.

كما تنتشر المراجيح وألعاب الأطفال بالقرب من أسوار المسجد الخارجية، وكذلك باعة حمص الشام والبخور والهدايا التذكارية والكتب الدينية وغيرهم من البائعين، ويحرص مريدي المرسى أبو العباس على شراء تلك المنتجات لأقرانهم الذين لم يسعفهم أشغالهم على حضور تلك المناسبة.

وفي اليوم الختامي للمولد يتم تنظيم مسيرة صوفية بعد صلاة العصر تنطلق من مسجد علي تمراز الكائن بمنطقة قهوة فاروق بحي الجمرك وتتجه نحو مسجد ابو العباس المرسي .

ميفوتكش خلال زيارة المرسي أبو العباس

يسعى معظم مريدي جامع المرسي أبو العباس على زيارة الضريح الموجود داخل جدرانه، كذلك زيارة مساجد أولاياء الله الصالحين، الذي يقعوا بميدان المساجد، بجوار مسجد المرسي أبو العباس، وهم مسجد الإمام البوصيري، ومسجد سيدي ياقوت العرشي، ومسجد سيدي نصر الدين.

ويرجع تسمية تلك المساجد لأنبغ تلاميذ المرسي أبو العباس، وقد تم مراعاة العناصر الفنية والحضارية والزخرفية المتميزة والفريدة، بحيث تشكل تلك المساجد وساحتها، مع مسجد المرسي لأبو العباس، تلك  اللوحة المعمارية الفريدة لميدان المساجد.

اترك تعليقا