كريستالات بيضاء لامعة تحيط بك من كل الجوانب، تبدأ خطواتك داخل مساحات واسعة بين جبال تكسوها أشعة الشمس، فتزيد من لمعة تلك الحبيبات الصغيرة على مرمى البصر.
حبيبات تشبه ثلوج روسيا أو ربما الرحلات الأوروبية في ليالي الشتاء التي طالما حلمنا بالذهاب إليها، ولكنها ثلوج لا تذوب بالشمس بل تزداد بريقاً.
إنها جبال الملح في بورفؤاد ، تأخذك معها لعالم هادئ يشبه عالم الأحلام، احلام تسمع بها أصوات أنفاسك كلما توغلت في أعماق ذاك العالم الأبيض فتشعر داخله بحجمك الصغير بين كل هذه المرتفعات وبرك المياه الصغيرة المتخللة داخلها، التي تميل للزُرقة المكسوة ببياض الملح المجاور وأضواء الشموس المنعكسة داخلها.
جبال الملح في بورفؤاد
تقترب أكثر فتنتقل لعالم أخر يملؤه البهجة بوصولك المنطقة المسموح فيها بالتسلق، تسمع من على بُعد أصوات الضحكات وصرخات التسارع على الوصول أولاً.
وهُنا تبدأ مغامرات الصعود والتزحلق، وهي قصة أخرى منفصلة بذاتها يملؤها الإبتهاج والتصوير لتوثيق اللحظات الفريدة وكأنك تسلقت إيفرست للتو ونجوت بأعجوبة من مشاق الترحال.
رحلة الصعود والمشاهدة من أعلى جبال الملح في بورفؤاد
تنغمس قدميك كلما تقدمت للصعود داخل الكريستالات الملحية التي تحتفظ ببرودتها رغم قوة أشعة الشمس وارتفاع الحرارة المُصاحبة بجسدك منذ وصولك منطقة جبال الملح في بورفؤاد، إلا أنها تهدأ مباشرة بمجرد التصاقك بها.
ثم تحارب خطواتك المنغمسة بصعوبة حتى تصل للقمة، تشعر بقليل من الانتصار ومع جلوسك للالتقاط انفاسك ترى من حولك الأشياء صغيرة وبعض المنازل المُطلة على هذا الجمال الساحر.
رحلة جبل الملح في بور فؤاد
مع الاقتراب أكثر تشاهد المعدات المستخدمة في تحويل تلك الجبال لأملاح صالحة للاستخدام وهنا تطغى رائحة المعدات، وتسير معها عجلة العمل التي تنتج من هذا المكان أكثر من 300 ألف طن سنوياً.
وبالاساس تم إنشاؤها عام 1859، ومن ثم تم تطويرها عام 1956 مع افتتاح قناة السويس، لتكون لتصبح منطقة الملاحات ببورفؤاد التي نشاهدها اليوم.
من خلالها يتم تصنيع وتصدير أجود أنواع الأملاح وأنقاها بمساحة تصل إلى 6 مليون و822 ألف متر، فيتم تصدير 100 طن ، لبلاد مثل بلغاريا واليونان وروسيا وقبرص وسوريا ولبنان وأوكرانيا، وحوالى 50 ألف طن ملح خام و150 ألف طن للسوق المحلى، لتعتبر بذلك أعلى مبيعات منذ تاريخ الملاحة على مدار 160 عامًا. ” بحسب ناصر السعيد الجمل رئيس قطاع ملاحات بورسعيد”.
معدية بورسعيد عبور بين قارتين في لمح البصر
وبمجرد إنتهاء جولتك البيضاء ذات السماء الصافية تنتقل معها للبر الأخر، وهنا كنا في قارة آسيا والآن سننتقل معاً لإفريقيا!!
قد تكون جملة غريبة بعض الشيء خاصة أن آسيا وإفريقيا عوالم مختلفة تماماً لا تجتمع أو تتقارب في ثقافاتها أو معتقداتها، ولكنها تجتمع هُنا، في مصر، وتحديداً بمحافظة بورسعيد.
من خلال معدية بورسعيد التي تنقلك من جبال الملح في بورفؤاد للبر الأخر، وهي أحد أهم وسائل المواصلات البحرية الشهيرة، التابعة لهيئة قناة السويس، وتستيطع استخدامها مجاناً فهي تنقل السيارات والمشاة بكل سهولة خلال دقيقتين للانتقال بين ضفتي القناة.
كثير لا يعلم أن مصر تطل على قارتين ولكن الأغرب أن الفارق الزمني بينهم لا يتجاوز الدقيقتين.
تنتقل من قارة لأخرى عبر البحر فتشاهد المراكب والطيور المُهاجرة على الجانبين وبمرور السفن تشعر وكأنك انفتحت على العالم فجأة، ما هذه الأحجام الضخمة من المُعدات والبضائع، وهذا الكم الهائل من البشر من مختلف الجنسيات يواصلون السير والعمل، وغيرهم يواصلون التصوير والمرح ومشاهدة تلك الطيور التي تحلق بأصواتها العالية في سماء تلك الطبيعة الهادئة.
الانفتاح على العالم من بوابة بورسعيد
الأجمل هو شعورك أثناء دوران المعدية وانت تودع قارة لترحب بك الأخرى
و تزيدك متعة السفن العملاقة التي تحمل أطنان لا حصر لها من جميع أنحاء العالم وتمر من أمام عينيك لتنتقل هي الأخرى بين قارات وبلاد متنوعة، هنا تجتمع الثقافات بلا حديث أو مُبارزة كلاً في فلكه الخاص.
حتى الطيور تُهاجر وتجتمع هُنا، فتجد هجرة بعض الطيور القادمة من أوروبا مثل طائر الفلامنكو وكذلك النورس والبشاروش خلال فصلي الشتاء والربيع بفضل مناخها المعتدل.
سياحة تُولد من جديد في بورسعيد
بدأت رحلات اليوم الواحد لبورسعيد تزداد بالفترة الأخيرة ويعتبر من أهم عناصر جذبها الحديثة هي جبال الملح في بورفؤاد التي تحولت لمزار سياحي هام مؤخراً يميز بورسعيد تحديداً عن غيرها من المدن السياحية المصرية، وكذلك تتميز المدينة بمجموعة أماكن يمكنك زيارتها كي تكتمل رحلتك مثل حديقة فريال، وتجربة المعدية ، وبورفؤاد نفسها التي تحتفظ بطرازها الفرنسي حتى الأن.
كذلك يمكنك زيارة أماكن مثل مبنى هيئة قناة السويس، النصب التذكاري، فنار بورسعيد، الفرما، متحف النصر، قاعدة تمثال ديليسبس، المتحف الحربي ، المسجد العباسي، كنيسة ماري جرجس والمتحف القومي.
وبالأساس بورسعيد هي مدينة تطل على البحر المتوسط، ومن ناحية الشرق تُطل على محافظة شمال سيناء ومن الجنوب محافظة الإسماعيلية فتعتبر ذت موقع مميز يناسب جميع الرحلات من المدن المصرية المختلفة فتستغرق حوالي ساعتين من القاهرة، وحوالي 3 من طنطا وأقل من ساعة من الإسماعيلية.
ولم تكن الزيارات الداخلية فقط هي المهتمة لشأن جبال الملح في بورفؤاد وبورسعيد بشكل كامل بل استقبلت المدينة مؤخراً وفداً روسياً استمتعوا بجولة بين الأماكن السياحية في بورسعيد ومشاهدة التراث الفرنسي والإنجليزي الفريد التي تحتفظ به المدينة حتى الآن .