متحف الحضارة المصرية بالفسطاط: آلة زمن تسافر بك عبر التاريخ

متحف الحضارة | داخل أحياء مصر القديمة وفي أعماق مدينة الفسطاط يقع واحدًا من أهم وأكبر المتاحف الأثرية في العصر الحديث، وهو المتحف القومي للحضارة المصرية الذي يعد عاصمة للتاريخ المصري بالكامل.

حيث يضم خمسين ألف قطعة أثرية ترسم جميع مراحل تطور الحضارة المصرية، بدايةً من عصر ما قبل الأسرات وحتى يومنا هذا، وشهد العالم عظمة المتحف من خلال موكب المومياوات الملكية، حيث تم إعداد حفل اسطوري تزين بالمظاهر الفرعونية لنقل المومياوات للمتحف، مما جعل العالم منبهرًا بعظمة الحضارة المصرية القديمة.

متحف الحضارة وموكب المومياوات الملكية

في الثالث من شهر إبريل الماضي تزين ميدان التحرير بالأنوار والنقوش الفرعونية وتحول إلى قطعة فرعونية لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية.

حيث تم نقل 22 مومياء من الأسر 17,18,19,20 منهم 18 ملكا و4 ملكات في عربات تزينها الرسوم الفرعونية، بدأ الحفل بموسيقى دار الأوبرا التي أعادتنا للحظات إلي مصر القديمة، فتشعر عند سماعها أنك تقف في إحدى المعابد المصرية تحضر لحظات تتويج الملك.

وكأن المقطوعات الموسيقية أعادت المومياوات للحياة، وشقت المومياوات طريقها في مشهد تاريخي خطف الأنفاس وجعل العالم أجمع عاجزًا عن وصفه بأي كلمات، فقط تعابير الدهشة والذهول احتلت وجه الجميع، واستمرت أجواء الاحتفال 40 دقيقة وسط لحظات فخر واعتزاز من المصريين لحضارتهم العظيمة حتى وصلت بأمان إلى منزلها الجديد.

تاريخ إنشاء المتحف

مر إنشاء المتحف بعدة مراحل، حيث بدأت بذرة المشروع كفكرة عام 1982 عندما أعلنت منظمة اليونسكو بالتعاون مع السلطات المصرية عن حملة دولية لتشييد متحف النوبة بأسوان والمتحف القومي للحضارة المصرية بالقاهرة ، وذلك لدمج أشكال الحضارة المصرية القديمة بالأساليب المتطورة الحديثة.

وتعثر استكمال المشروع عام 1989 بسبب اختيار الموقع حيث كان من المقرر إنشاء المتحف في منطقة الجزيرة بدار الأوبرا المصرية، ولكن نظرا لازدحام المنطقة تم نقله إلي مدينة الفسطاط عام 1999.

وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس وشملت أعمال البناء 3 مراحل، المرحلة الأولى الخاصة بالأساسات الإنشائية وانتهت عام 2009 بينما استكملت عمليات التشطيب والتنسيق في المرحلتين الثانية والثالثة.

وتم افتتاح المتحف بشكل جزئي عام 2017 بحضور السيدة إيرينا بوكوفا، مدير عام اليونسكو، إلي أن تم إفتتاح أبواب المتحف للجماهير في الرابع من إبريل عام 2021 بتكلفة بلغت 2 مليار جنية.

تصميم عالمي بأيادي مصرية

ربما تعتقد للوهلة الأولى التي ترى فيها عظمة التصميم المعماري للمتحف أنه يعود لأحد المصممين الأجانب، ولكن في الواقع فهذا التصميم مصري خالص، حيث أقامت منظمة اليونسكو مسابقة لاختيار تصميم المتحف، فاز فيها الدكتور المصري الغزالي كسيبة، الأستاذ بجامعة الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وتم اختيار مشروعه من بين 65 متسابقا.
وبعد تغيير موقع المتحف إلي الفسطاط تم تطوير المشروع ليتناسب مع مستقره الجديد.

المتحف يتوسط حضارات مختلفة

يقع المتحف في مدينة الفسطاط والمعروفة بالعاصمة المصرية الأولى بعد دخول العرب مصر، ولم يكن اختيار منطقة الفسطاط بمحض الصدفة وإنما بسبب خليط الحضارات المصرية فيها لما تضمه من كنائس، وأديرة، ومتاحف، بالإضافة إلي أول مسجد في مصر وهو مسجد عمرو بن العاص، والآن يتوسطهم المتحف القومي للحضارة المصرية، حيث يتميز بموقع فريد فيطل على آخر بحيرة طبيعية في القاهرة وهي بحيرة “عين الصيرة” وبجواره حصن نابليون، وتمتد مساحته ل33,5 فدان وتشمل مساحة المباني 130 ألف متر مربع.

قاعات متحف الحضارة تنقلك عبر الزمن

يضم المتحف 10 قاعات بمثابة بوابات زمنية، فعندما تخطو قدماك داخل المتحف للمرة الأولى ستشعر وكأنك سافرت عبر الزمن لإحدى الحضارات القديمة، ستنقلك قاعة العرض المؤقت وعنوانها “الحرف المصرية عبر العصور” إلى معرفة الحرف القديمة. تتجول وحولك 400 قطعة أثرية من الفخار، والأخشاب ، والنسيج، والحلي من مختلف الحضارات.

بينما ستتعرف في قاعة العرض المركزي “قلب المتحف” على جميع الحضارات التي مرت على مصر من خلال عدد كبير من الآثار يصل لحوالي 1600 قطعة أثرية من مختلف العصور الفرعونية، واليونانية ، والرومانية، والقبطية، والإسلامية، مرورا بالعصر الحديث.

وإذا نظرت فوق قلب المتحف ستجد الهرم الزجاجي أو المعروف بمتحف العاصمة، والذي يعرض بداخله تاريخ العاصمة المصرية القديمة وستقف بين المعالم القديمة والحديثة في القاهرة.

قاعة المومياوات في المتحف القومي للحضارة

أما الآن فأنت على موعد لزيارة ملوك وملكات مصر، ففي قاعة “المومياوات” ستلتقي ب22 مومياء ملكية لأعظم ملوك مصر القديمة وأمامك بيانات للأشعة المقطعية توضح أسباب وطرق الوفاة، بينما ستسافر في قاعة “فجر الحضارة” إلى إحدى القرى المصرية القديمة وترى حياة المصري القديم من تشييد المباني والمعابد وتتعرف على ملامح بناء الحضارة المصرية القديمة.

وبعد الاطلاع على الجوانب الحضارية ستتعرف في قاعة “النيل” على تأثير نهر النيل في بناء الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى اليوم ، ثم ستكتشف أسرار التحنيط، والطب، والفلك، والكتابة، ومختلف العلوم التي برع فيها المصريون القدماء داخل قاعة “الكتابة والعلوم”، بينما في قاعة “الثقافة المادية” ستطلع على عظمة العمارة المصرية ومختلف الفنون والحلي وأقدم الآلات الموسيقية في العالم.

في نهاية الرحلة ستتعرف على الجوانب المجتمعية والدينية في حياة القدماء المصريين، ستحضر المناسبات الاجتماعية، والأعياد، والأفراح، وتتعرف على الحياة السياسية في قاعة “الدولة والمجتمع”, بينما سترى مدى تسامح المصريين القدماء وتلقي نظرة على مختلف العقائد والآلهة التي آمنوا بها خلال قاعة “الفكر والعقائد”, فأنت بداخل أحد الكتب التاريخية وتتجول بنفسك بين جميع صفحاته.

مقتنيات أثرية تعرض للمرة الأولى

للمرة الأولى يتم عرض مقتنيات أثرية لم يراها الجمهور من قبل، حيث يعرض المتحف أول وأقدم ساعة في التاريخ المصري، وستشاهد أول ساعة مائية وشمسية، وأول مقياس لنهر النيل، بالإضافة إلي هياكل بشرية نادرة للمصريين الأوائل تبلغ عمرها 55 ألف سنة، ومصبغة أثرية من الطوب الأحمر مكونة من 3 صفوف مزدوجة العيون في كل صف 13 عين، اكتشفت لأول مرة عام 1932 يتميز بها المتحف عن غيره من المتاحف.

افتتاح المتحف القومي للحضارة

افتتحت قاعة العرض المؤقت الخاصة بالحرف والصناعات المصرية عبر العصور في 16 فبراير عام 2017، والذي بلغت مساحتها 1000 متر مربع، وتم عرض أكثر من 400 قطعة أثرية ، وأفلام وثائقية عن تاريخ كل حرفة عبر شاشات كبيرة، وظلت أبواب المتحف مغلقة حتى تم إفتتاح جميع القاعات عدا قاعة المومياوات الملكية في شهر إبريل عام 2021، وبعد موكب نقل المومياوات تم إفتتاح القاعة في 18 إبريل ليصبح المتحف مستعد لاستقبال آلاف الزوار المصريين والأجانب يوميًا من الساعة التاسعة صباحًا وحتى الساعة الخامسة مساءً بالإضافة لفترة مسائية تبدأ من الساعة السادسة حتى التاسعة.

أسعار تذاكر متحف الحضارة

تبلغ أسعار تذاكر المتحف 200 جنيه للزوار الأجانب و100 جنيه للطالب الأجنبي، و60 جنيها للمصريين و30 جنيه للطالب المصري.

والدخول المجاني للأطقم الطبية، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وأبناء الشهداء، ومصابي الحروب، والعاملين بوزارة السياحة، والمصريين فوق ال60، وطلاب المدارس الحكومية الأقل من 12 سنة، وطلبة قسم العمارة في كليات الهندسة، والفنون الجميلة والتطبيقية، وطلاب قسم التاريخ والحضارة بكلية الآداب، وخريجي كليات الآثار والسياحة.
ويمكن حجز التذاكر إلكترونيًا عبر الموقع الرسمي لمتحف الحضارة

المتحف القومي للحضارة المصرية ليس فقط مزار سياحي يقصده المواطنون من جميع دول العالم، ولكنه مدرسة تعليمية تنقلك في جولة من عصور ما قبل التاريخ وحتى عصرنا الحالي، فيعد من المتاحف النادرة في العالم التي تعرض جميع أشكال الحضارة وتظهر التنوع في الحضارات المختلفة ، فهو تذكرة ذهبية للسفر عبر مختلف الأزمنة ومحاكاة تطور الحضارة المصرية عبر العصور.