الرحالة و المسافرون العرب

طريق الكباش بالاقصر: قصة إحياء الهوية المصرية من جديد

أول طريق في العالم .. طريق الكباش في الاقصر

مصر تٌبهر العالم من جديد ، على غرار موكب المومياوات شهد العالم افتتاح طريق الكباش في الأقصر، فكاعدتهم المصريين أبهروا العالم منذ بداية التاريخ وما زالوا يتقنون فنون الإبهار والإبداع التي تمتزج بدمائهم ولن تختفي يوماً.

طريق الكباش

الطريق الأول على مر الزمان، طريق يربط بين الماضي والحاضر ومازال باقياً، كان شاهداً تاريخياً على تتويج ملكي وأعياد ومواكب كبرى ومازال يحتفظ بكامل قوته التي تتحدث للعالم اليوم بأعلى صوت قائلة “نحن هُنا” “كُنا ولازلنا”

فهو ليس مجرد طريق يربط بين معالم أثرية هامة في المدينة الزاخرة بثُلثي آثار العالم، ولكنه الأقدم على مستوى العالم.

“طريق المواكب الكبرى لملوك مصر القديمة” كانت المهمة الأولى لطريق الكباش في الماضي حتى تم تجديده اليوم ليكون رابط هام بين معابد الكرنك شمالاً بمعبد الأقصر جنوبًا.

بحوالي 1200 تمثال يستقبل طريق الكباش الزوار، ليتراوح وزن التمثال الواحد منهم ما بين 5 ل7 أطنان، وتزداد أطوالهم عن 3 أمتار.

على هيئة واحدة تتفق جميع التماثيل بالطريق على شكل جسم أسد، برأس إنسان لترمز إلى الإله أبو الهول، أو جسد أسد برأس كبش، تعبيراً عن المعبود آمون، حتى تلتقي بتمثال رمسيس الثاني وهو رمز الحماية بمصر القديمة.

وقديماً كان سد حجري ضخم يحمي الطريق من الجهة الغربية من مدينة الأقصر التي كانت العاصمة السياسية للدولة المصرية أثناء حكم الأسرة 18، كما كانت العاصمة الدينية، حتى أتت العصور الرومانية.

على رمال هذا الطريق كانت تُقام الأعياد القومية وأعياد الأوبت التي كانت تقام سنوياً أثناء موسم الحصاد والذي سيُعاد الاحتفال بها هذا العام خلال الافتتاح للمرة الأولى منذ زمن بعيد، وهو من أهم أعياد التقويم فى مصر القديمة، ويرمز إلى “تجديد شباب ملوك الفراعنة من وحى الطبيعة”، كذلك كانت تتمثل أعياد تتويج الملوك في المرور منه وصولاً للمعبد.

أجواء الاحتفالات القديمة بالكباش

الأقصر
الأقصر

تختلف الاحتفالات مع كل حدث بالدولة القديمة وأهمهم كان عيد الأوبت والذى كان يمثل اللقاء السنوى بين آمون رع إله الشمس المعبود وزوجته موت،أثناء فترة الزواج المقدس.

وهي تُعني باللغة الهيروغليفية ” حب نفر أن أوبت”، “الأوبت الجميل”، وخلال هذا الاحتفال يُنقل تمثال آمون رع من قدس الأقداس داخل معبد الكرنك، ليتم وضعه فى الزورق المقدس المُزين برأس كبش.

والكبش في الحياة المصرية القديمة يُعني الكثير من الدلالات العميقة التي تعطى صورة رحيمة لمعنى الفداء والتضحية أو كمثل أيقونة للخلود، لذلك يعتبر مخلوق استثنائى فى الحضارة والثقافة والأدب والفن.

لذلك تجد للكباش فى مصر القديمة قداسة كبيرة، لقدرة المتمثلة في الخصوبة والتناسل، فتم ربطه كرمز للخلق والبعث.

ومن ثم تُحمل تلك الزوارق المُقدسة الخاصة بآمون وزوجته وابنه خونسو على أكتاف الكهنة الذين يظهرون بزي من الجلود حالقين رؤوسهم.

لتبدأ بين مجموعة من الموسيقيين والعازفين مع أصوات الأبواق العالية، ومجموعات الجنود على العربات الحربية في طريقهم لمعبد الأقصر على ترانيم تمجد آمون رع.

فاستمرت الاحتفالات ما بين 11 إلى 27 يوماً وتشمل مراسم شعبية ومراسم أخرى رسمية.

أنشودة آمون أثناء الاحتفالات القديمة بطريق الكباش

الأقصر
الأقصر

في التاريخ المصري تبدأ أنشودة آمون المُتغنية باحتفالاته بين الموسيقى والأبواق واليوم أعيدت من جديد لتقول كلماتها:

“عندما تكون بالزورق مهيب المقدمة

إنك تبدو جميلا يا آمون رع والكل يمجدك

لأن البلاد كلها فى عيد ابنك البكر أول من أنجبت

يجدف ويبحر بك قدما إلى حيث يوجد أوبت

فياليتك تمنحك الخلود فى موقعك ملكا للأرضين وأن يكون هو ويبقى للأبد فى سلام

ويا ليتك تنعم على بحياة استقرار وسيادة، تقره حاكم مصر

ويا ليتك تكافئه بملايين لا تحصى من الأعياد فهو ابنك الحبيب الذى أجلسته على العرش”.

افتتاح طريق الكباش بالأقصر

بدأه الأجداد ويتوجه الأحفاد، اليوم ينفضون التراب من حول كنوزهم التي لا تقدر بثمن، بعمر يتجاوز ال 3500 عاماً يأتينا طريق الكباش بافتتاح سيبهر العالم من جديد.

ومنه تصبح الأقصر أكبر متحف عالمي مفتوح، فيربط طريق الكباش بطول 2700 متر بين معبدي الأقصر والكرنك ليكون حلقة وصل جديدة بين الحضارة والحاضر.

المتحف المفتوح
المتحف المفتوح

فكان الاكتشاف الجزئي للطريق بعام 1949 أمام معبد الأقصر ومع استمرار الحفائر تم اكتشاف جزء آخر من الطريق في ستينات القرن الماضي أمام معبد الكرنك ليصبح مُقسم لثلاث طرق كبيرة.

كذلك كان الاحتفال الكامل بطريق الكباش يوم 25 نوفمبر بعام 2021 الساعة 7:30 ليغطيه العالم أجمع عبر وسائل الاتصال المختلفة، من خلال وحدات بث تليفزيونى HD نقلت الحفل للعالم، عن طريق 15 كاميرا فى أرجاء المعبد وطريق الكباش ، حضره أعداد هائلة من جميع أنحاء البلاد لمشاهدة هذا الحدث العظيم.

افتتاح طريق الكباش إحياء الهوية المصرية من جديد

بأيادي مصرية تم افتتاح هذا الطريق للمرة الأولى أمام الجمهور ليكون حصيلة عمل شاق استمر لسنوات عديدة من أعمال حفر ومتخصصين ورفع أحجار مع أثريين مع مرممين وغيرهم من المصريين ليظهر الطريق أمامنا اليوم بألوان أصلية للتماثيل والخراطيش المنقوشة.

طريق الكباش
طريق الكباش

بدأ حفل افتتاح طريق الكباش مع غروب بإنارة بانورامية تبدأ تدريجياً لمعبد الاقصر وطريق الكباش، وعلى الجانب الآخر تبدأ إنارة البر الغربي ومعبد حتشبسوت مع تمثالي ممنون، لتنطلق أضواء الليزر معانقة السماء.

وهُناك على ضفاف النيل 3 ذهبيات عائمة صُممت على الطراز المصري القديم، ترمز لثالوث المعبودات في الديانة المصرية القديمة:” آمون وموت وخنسو”.

هُنا تنطلق مراكب شراعية بألوان هوية الأقصر البصرية، مع أعداد من المناطيد في سماء الأقصر احتفالًا بالحدث الأثري الأول من نوعه.

وفي الخلفة تعزف الأوركسترا الفيلهارموني الموسيقى المصرية القديمة بقيادة المايسترو نادر عباسي، ثم أنشودة آمون التي يعاد إحياؤها بنفس الكلمات من جديد.

أثناء الحفل، تبدأ محاكاة جديدة من نوعها عبر موكب يحمل 400 شاب وفتاة يرتدون زي الاحتفالات عند المصريين القدماء باستخدام موسيقى تصويرية استوحت من الأناشيد العتيقة.

إضافة لعرض مجموعة من الصور النادرة منذ القرن 19 في أماكن مخصصة على طريق المواكب، لتروي لنا تاريخ معابد الكرنك والأقصر مع طريق المراكب الذي يربط بدوره بين المعابد وكذلك أهم الاكتشافات الأثرية ، مع صور فريدة للأعياد والاحتفالات المٌقامة في العصور القديمة.

تفاصيل شكل الطريق عن قرب بأجزائه الثلاثة

ينقسم طريق الكباش إلى 3 أجزاء رئيسية حتى يصل لهذه المسافة التي تربط بين المعابد العظيمة.

الجزء الأول : تم إنشائه في عصر الملك توت عنخ آمون بمسافة 300 متر يبدأ من الصرح العاشر حتى معبد الكرنك ويتجه جنوبًا بوابة معبد موت.

الجزء الثاني: يرجع لعصر أمنحتب الثالث، وتأخذ التماثيل على جانبيه شكل الكبش الكامل وتبدأ من أمام معبد خنسو أحد معابد الكرنك أيضًا، وبالأساس لم يكن هذا المكان الألي له بل كان موضعه في أحد المعابد الجنائزية بالبر الغربى فى طيبة، وتم إحضاره لهذا المكان فى عهد الملك حريحور أحد ملوك الأسرة 21.

أجزاء من طريق الكباش بالاقصر
أجزاء من طريق الكباش بالاقصر

الجزء الثالث : يرجع لعصر الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين آخر أسرات عصر الدولة المصرية القديمة، تظهر تماثيله بشكل أقل حجماً من أصدقائه، ويأخذ مسافة حوالى 200 متر ثم ينحرف جنوبًا فى اتجاه واحد بطول 2000 متر أخريين حتى يصل إلى معبد الأقصر في شكله النهائي.

اترك تعليقا