الرحالة و المسافرون العرب

واحة سيوة : رحلة لا تُنسى مع ملح ورمال فيهما شفاء للناس

واحة سيوة | رحلة أمل العزب | عندما قررت الانطلاق إلى واحة سيوة لأكتب عنها وعن بيئتها الفريدة، كان في مخيلتي أنني سأرى صحراء قاحلة، وحياة بدوية نظراً لوجودها في قلب صحراء مصر الغربية.

800 كيلو متر هي المسافة التي قطعناها من القاهرة إلى واحة سيوة ، التي تقع جنوب غرب محافظة مرسى مطروح، وتبعد حوالي 65 كيلو مترًا من الحدود الدولية مع ليبيا.

عندما وصلت مرسي مطروح ظننت أنني أصبحت على مقربة من المدينة، وإذ بي أجد نفسي أمام سفر آخر يبعد عن مرسي مطروح قرابة 350 كيلو متر، لتستغرق رحلتنا 11 ساعة سفراً.

وجه الرمال بلونها الذهبي.. لم يفارقني طوال الطريق، وكأن الأرض قد تحولت إلى قطعه قماش صفراء، لم أكن أتخيل أن يطل من بين ثنايا تلك الكثبان الرملية لوحة جميلة مزينة بأشجار النخيل والزيتون إنها واحة سيوة

معالم واحة سيوة

الفنادق في سيوة تتسم بالبساطة والهدوء، فعندما وصلت إلى غرفتي لم اقبع فيها كثيراً، فكان في انتظارنا مضيفنا الأمازيغي عبد القاسم محمود. لتبدأ جولتنا في شوارعها المريحة. وبتفقدي لعيون سكانها لم أجد مكاناً لتوجس أو الرهبة، فقط الحب والمودة والكرم هم أساس علاقتك بأهل سيوة.

وبحديثى مع قائد رحلتنا عبد القاسم محمود عن السكان الأصليين في واحة سيوة وعن معنى كلمة أمازيغ قال لى: ان السكان الأصليين لواحة سيوة جاءوا من شمال أفريقيا في مجموعة من الهجرات المتتالية على مدار التاريخ، وسكان سيوة هم أمازيغ مصر الذين ينتمون جميعا إلى 11 قبيلة ويعيشون في مجتمع قبلي على هيئة قبيلة، لها مضارب ولها شيخ، وتنتقل مشيخة القبيلة عند الأمازيغ بالوراثة، أما عن كلمة أمازيغ فتعنى الإنسان الحر النبيل.

واحة سيوة
واحة سيوة

واحة النخيل وقلعة شالي في سيوة

من يصل إلى واحة سيوة يدرك أن النخيل هو احد شرايين الحياة، فسيوة تشتهر بنخيل التمر وشجر الزيتون، وبها 750 ألف شجرة نخيل بأصناف متعددة، كما أن 90% من سكانها يعملون بالزراعة.

تقع شالي في الجهة الشمالية للواحة، وبها قلعة شالي التي تعد من أهم المعالم السياحية في واحة سيوة . ذلك الحصن القديم الذي تم بنائه بهدف رد هجوم العرب والقبائل المتنقلة في الصحراء.

أما عن زيارة شالي، ففي الليل تبهرك القلعة بأضوائها المتميزة، وتحتوى مدينة شالي القديمة على مطاعم سيوية وممرات وشوارع صغيرة لبائعي المصوغات والتمور والزيتون، ويمكنك بعد التجول في شالي الذهاب إلى جزيرة فطناس لمشاهدة لحظات الغروب الرائعة في تلك الجزيرة .

جبل الدكرور وسياحة العشق الإلهي

يشهد جبل الدكرور في واحة سيوة احتفالات بعيد السياحة في شهر اكتوبر من كل عام، فلا يعني عيد السياحة هنا الاحتفال بتواجد السائحين الأجانب باعتبار الواحة مقصدا سياحيا ومحمية طبيعية نادرة، ولكن في الحقيقة تعني السياحة في عشق الله والخروج الصوفي إلي الخلاء تحت سفح جبل الدكرور الذي يتكون من ثلاث تلال متوسطة الارتفاع.

أهل واحة سيوة تعودوا الاحتفال بتلك المناسبة حتى تحولت إلى ما يشبه عيدأ قوميا لهم يفرحون فيه كبارا وصغارا. وعيد السياحة يسمي ايضا عيد الحصاد لمزامنته موسم حصاد البلح والزيتون.

حمام كليوباترا في واحة سيوة

يعتبر حمام كليوباترا من أكثر مزارات الواحة شهرة، ويعتقد أن الملكة كليوباترا السابعة كانت تستحم داخل هذا الحمام لذلك سمي بهذ الاسم، وهو حمام من الحجر يحتوى على مياة طبيعية كبريتية متفجرة من باطن الأرض.

تمت إحاطة حمام كليوباترا بسور خرساني دائري لجمع ما تدفعه من مياه عذبة، ويشاع عنه أنه يشفي العديد من الأمراض الجلدية، لاحتوائه علي مياه كبريتية، ولذلك يقبل عليه العديد من السائحين حبا في التجربة.

واحة سيوة
مقبرة سيوة

جبل الموتى ومعبد آمون

أما عن جبل الموتى الذي يضم مقابر فرعونية ترجع إلى الأسرة الـ26، فمازال أحد نقاط البحث عن الراحة. فالجبل الموجود علي حدود واحة سيوة اختاره اليونانيون ليكون مكانا لدفن موتاهم، كما يحتوي الجبل علي عدد من الجبانات المزخرفة من الداخل بالألوان لعدد من كبار الكهنة في العصر الفرعوني.

وبعد الانتهاء من زيارة جبل الموتى يستطيع زائر واحة سيوة الذهاب إلى معبد آمون أو التنبؤات، الذي يعود تاريخه إلى العصر اليوناني، والذي زاره الإسكندر الأكبر ليتعبد للإله آمون الذي كان يمثل قيمة روحية كبري بالنسبة لليونانيين.

كنز الملح من أهم معالم واحة سيوة

الخير في واحة سيوة لا يتوقف، والملح فيها يعد كنز لاستخداماته الكثيرة بخلاف الاستخدام التقليدي للملح في الطعام.

حيث يوجد بسيوة 4 بحيرات علي مساحة 11الف فدان لاستخراج الملح، والذي يدخل في صناعات عديدة كما يتم تصديره إلى دول أوربا فضلا عن تصنيع الأباجورات والأنتيكات المصنوعة من الملح. ويستخلص منه مادة “الكرشيف” وهي مزيح من الملح والرمل والتي تدخل في بناء البيوت السيوية.

كما يفضل السياح الغطس في بحيرات الملح لمدة 45 دقيقة للعلاج من أي أمراض جلدية أو للتخلص من أي طاقة سلبية.

رمال واحة سيوة فيها شفاء للناس

تمتلك واحة سيوة رمال ساخنه شافية، فمنذ سنوات طويلة يمارس السيويون العلاج “بالدفن في الرمل” لأمراض الروماتويد والروماتيزم وخشونة المفاصل وآلام العمود الفقري المزمنة.

وعلي الرغم من بدائية هذا العمل إلا أن المرضي يتوافدون من جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يحتم أن يكون هناك اهتمام أكثر من وزارتي الصحة والسياحة لهذه السياحة العلاجية.

واحة سيوة
السياحة العلاجية في سيوة

طريقة الدفن في رمال سيوة

يحكي لي الحاج إبراهيم السيد احد المتخصصين في العلاج بالدفن في واحة سيوة ، أسرار هذه المهنة، فيقول: حمامات الرمل تبدأ من شهر يونيو حتي شهر سبتمبر من كل عام، ويتم في مراكز صحية بجبل الدكرور. يدفن المريض في البداية من عشر إلى خمس وعشرين دقيقة حتى يصبح جسمه كله مفتوحا من خلال مسامه وهو ما يساعد علي طرد الشوائب العالقة في الدم.

ثم يقوم الرديم الذي يتولي الدفن، بتغير الرمال من فوق الجسد اكثر من مره، فالحرارة المتواجدة في الرمال والتي توزع بشكل منتظم علي جميع أنحاء الجسم تساعد علي توسيع شعيرات الدم وجميع الأوعية الدموية مما يؤدي إلي إزالة الالتهابات وإرخاء العضلات وإفراز المواد الموقفة للألم داخل السائل الشوكي.

ثم يتناول المريض عصير الليمون لمعادلة الأملاح التي تخرج منه، ثم مشروب الحلبة الذي يساعد علي إفراز العرق ما يساعد علي تخليص الجسم من الرطوبة.

أما خلال أيام الدفن الثلاثة أو الخمسة، في واحة سيوة فيعتمد الشخص في طعامه علي الشوربة والبلح والاعتماد علي المشروبات الساخنة فقط. وفي كل الأحوال لا يتعرض طوال أيام الدفن لأي تيار هواء أو تكييف، ويمنع الاستحمام أيضًا لأن مسام الجسد تظل مفتوحة طوال هذه المدة.

كما أن عملية الدفن في الرمال تفيد مرضي آلام العمود الفقري المزمن.

وعن آخر يوم في الدفن يتم تدليك الجسد الذي يكون في حالة استعداد تام للاسترخاء، ويتم التدليك بالليمون وزيت الزيتون لغلق المسام.

سفاري بحر الرمال الأعظم

يحرص زوار واحة سيوة علي القيام برحلات السفاري والمغامرات في بحر الرمال الأعظم الممتد بطول 500 كم. المشاركة في المغامرة يكلف 250 جنيها، والذهاب يتم بسيارات الدفع الرباعي المجهزة، بمصاحبه المرشد السيوي، وعقب ذلك يتم التزلج علي الرمال الناعمة، وفي وقت ما قبل الغروب يلجأ الجميع للراحة وشرب الشاي السيوي والتقاط الصور.

سيوة مقصد سياحي غير تقليدي، ينافس سياحة الآثار والسياحة الشاطئية، ففيها تذوقت تجربة العودة إلي الطبيعة والفطرة. ولكن تبقي أهمية حملات الترويج السياحي المدروس ضرورة لهذه الثروة المنسية

مصدر ويكيبيديا
اترك تعليقا